من عباس بن فرناس للطائرات الكهربائية.. كيف تحقق حلم البشرية في الطيران؟

طائرات حربية
طائرات حربية

حلم الإنسان منذ القدم بالطيران والتجول كالطيور حرًا طليقًا. فسخرت البشرية الكثير من الفكر والتجارب العلمية لمحاولة صنع الطائرات. فمنذ محاولات العالم العربي عباس بن فرناس مرورا بمحاولات وتصميمات ليوناردو دافنشي الى الأخوان رايت لم يتخل الإنسان عن فكرة التحليق فوق السحاب. وما أن أتقن الإنسان الطيران استغله في السلم والحرب على حد سواء، حتى أصبحت السماء ساحة معركة كما هو الحال في الأرض.

المحاولات الأولى للطيران

الأساطير

كانت الأساطير اليونانية القديمة أول تجسيد لحلم الإنسان بالطيران، وظهر ذلك جليًا في أسطورة إيكاروس ووالده ديدالوس. وفقًا للأسطورة صنع المهندس المبدع ديدالوس جناحين من الشمع والريش له ولابنه إيكاروس ليحلقا بهما هربًا من الاحتجاز في جزيرة كريت.

حذر ديدالوس ولده في بداية الرحلة من الاقتراب كثيرًا من الشمس أو النزول إلى البحر. لكن إيكاروس تجاهل التحذيرات وطار مرتفعًا جدًا نحو الشمس.  أذابت الشمس باقترابه منها الشمع الذي يجمع الريش وفقًا للأسطورة؛ ما أدى إلى سقوط إيكاروس في البحر وغرقه.

عباس بن فرناس

عباس بن فرناس

وفي العصر الذهبي للعلوم في القرن التاسع الميلادي استخدم عباس بن فرناس جناحين من الريش والحرير في محاولة طيران ناجحة بمقاييس عصره. قفز عباس من أعلي مئذنة في الأندلس وحلق لمسافة قصيرة تبعه هبوط تصادمي لأن تصميمه  افتقر لآلية التوجيه الدقيقة التي يقوم بها الزيل في الطيور. نجا بن فرناس من هذه المحاولة على عكس ما شاع أنه لقي حتفه بها؛ ما أدي إلى إصابته إصابات طفيفة عند هبوطه. ويعتبر بهذه المحاولة أول رواد الطيران في العالم.

دافنشي والطيران

بالإضافة إلى براعته في الرسم والنحت يعتبر ليوناردو دافنشي عالمًا موسوعيًا في الكثير من العلوم. منها الهندسة المعمارية والتشريح والاختراعات. ينسب لدافنشي الكثير من الاختراعات في عالم الطيران، منها مظلات الهبوط (الباراشوت) والجناح الطائر ومفهوم الطائرة العمودية الهليكوبتر.

الجناح الطائر لدافنشى

 

كان دافنشي مولعًا بالطيران وقد لاحظ الطريقة التي يطير بها الكثير من الطيور ومنها الخفافيش. حاول دافنشي محاكاه طريقة طيران الخفافيش باختراع الجناح الطائر. وكذلك وضع أسس الطائرة العمودية؛ حيث وصفها بأنها تشبه طبقًا يدور فيرفع جسم الطائرة الثقيل عن الأرض. ومثلت تلك الأفكار والاختراعات مصدر إلهام  لمن تلاه في تطوير آلات تطير من صنع البشر.

مروحية دافنشي

الأخوان رايت

تمكن الأخوان رايت أورفيل وويليام من تحقيق أول طيران متحكم به في التاريخ الحديث في 17 ديسمبر 1903. على الرغم من أن الطائرة المأهولة قد طارت فقط لـ 12 ثانية قاطعة مسافة قدرها 36 مترًا تقريبًا إلا أن هذه المحاولة قد فتحت المجال لتطوير الطائرات الحديثة حتى يومنا هذا. وقد اخترع الأخوان أسس التوجيه والتحكم في الطائرات المأهولة.

طائرة الأخوان رايت

كيف تطير الطائرة

تطير الطائرات بالاعتماد على خواص ديناميكا الهواء والتحكم في أربع قوي أساسية تحيط بالطائرة. هذه القوي هي الجاذبية Gravity والرفع Lift والسحب Drag والدفع Thrust.

القوي المؤثرة على الطائرة

الجاذبية Gravity

يعتبر الوزن هو القوة الناتجة عن تأثير الجاذبية على كتلة الطائرة مضافًا إليها الحمولة والركاب والوقود، ويجب التغلب على هذه القوي حتى ترتفع الطائرة عن الأرض وتطير، وكذلك عند تغيير ارتفاعها من مستوي إلى مستوى في الهواء.  وتؤثر هذه القوى على جسم الطائرة طوال الوقت ويعتمد الطيران على التحكم في العلاقة بين هذه القوى في أي لحظة أثناء الطيران أو الإقلاع أو الهبوط. ويمكن تبسيط هذه القوي كما يلي:

السحب Drag

وهو مقاومة الهواء لحركة الطائرة خلاله، ويجب أن يتم التغلب على هذه القوة إذا أردنا أن تتجه الطائرة للأمام.

والدفع Thrust

ينتج الدفع من خلال المحركات والتي تدفع الطائرة في مسار طيرانها ويجب ان تكون قوة الدفع أعلي من قوة السحب في حال الحركة في خط مستقيم إلى الأمام. ويمكن تحقيق السحب إما بجناح دوار في مقدمة الطائرة (المروحة) أو حديثا بمحركات الدفع النفاث.

الرفع Lift

وهي القوة المسئولة عن ارتفاع الطائرة عن الأرض، وتتولد تلك القوى على الأجنحة عادة. وتعتمد الطائرات على تطبيق مبدئين فيزيائيين لتحقيق الرفع هما مبدأ برنولي والقانون الثالث لنيوتن.

يمثل مبدأ برنولي، والذي ينص على أن الموائع ومنها الهواء إذا زادت سرعتها فان ضغطها يقل، أحد المبادئ الرئيسية لتوليد قوة الرفع الأزمة لعمل الطائرات سواء المدنية أو العسكرية. يصمم الجناح بحيث يملك انحناءً على سطحه الأعلى، بينما يكون أسفله مستقيم. وعند شق الجناح للهواء فان سرعة الهواء فوق الجناح ستكون أكبر نظرًا لانحناء السطح العلوي واستقامة أسفله. ونظرًا لأن الضغط أقل عند السطع المنحني تنشأ قوة دفع أسفل جناح الطائرة متجهة لأعلي؛ ما يرفع الطائرة عن الأرض.

شكل الجناح مطبقًا الاستفادة من قانون برنولي ونيوتن الثالث

القانون الثالث لنيوتن

ينص القانون الثالث لنيوتن على أن لكل فعل رد فعل مساويًا له في القوة ومضاد له في الاتجاه. يمكن أن نرى هذا القانون في الحياة العملية عند ارتداد كرة مطاطية عن الحائط. عند لمس الكرة للحائط فإن الكرة تؤثر على الحائط بقوة اصطدامها، وفي نفس الوقت يؤثر الحائط على الكرة بنفس القوة في الاتجاه المعاكس؛ مما يدفع الكرة إلى الخلف.

ويمكن أيضًا مشاهدة تأثير هذا القانون عند الرمي ببندقية الصيد. عند الإطلاق تخرج الرصاصة إلى الأمام بينما تندفع البندقية إلى الخلف. ويمكن أيضًا ملاحظة أن القوة المرتدة للبندقية (التي يحسها الرامي في كتفه) أقل من المؤثرة على الرصاصة. بينما ينص القانون بأن القوة المؤثرة على كليهما واحدة فإن كتلة البندقية أضعاف كتلة الرصاصة؛ ما يعطي الرصاصة طاقة حركة أكبر بكثير من البندقية. وكذلك يمكن رؤيته عند دفع الماء للخلف في القوارب ذات المحركات فإن القارب يتجه إلى الأمام فوق صفحة الماء.

القانون الثالث لنيوتن كمصدر للرفع   

يوصل الجناح بجسم الطائرة بحيث يكون مائلًا قليلًا عن المستوي الأفقي بزاوية تسمى زاوية Angle of Attack أو زاوية ميل الجناح. هذه الزاوية تسمح للهواء بالاصطدام بسرعته أسفل الجناح؛ ما ينتج قوة دفع لأعلي طبقًا للقانون الثالث لنيوتن. ويراعي في تصميم الجناح المبدئيين سالفًا الذكر.

وتمتلك الطائرات الكثير من أشكال الأجنحة المعتمدة على الاستخدام العام للطائرة، وكذلك سرعات تشغيلها. فهناك الأجنحة القابلة للطي كما هو الحال في الطائرة الحربية F14 Tomcat، وهي بالمناسبة الطائرة الشهيرة في فيلم Top gun . وهناك أيضًا الأجنحة المثلثة (Delta shape) مثل الطائرة F-22 Raptor و .Mirage 2000 وكذلك هناك الطائرات ذات الأجنحة المنحنية Forward-Swept Wings)) للأمام مثل الطائرة الشهيرة Sokhoi su 47. بالإضافة إلى الأجنحة المستقيمة وغيرها. ويعطي كل تصميم الطائرة ميزات في التشغيل والسرعة حسب مقتضيات الهدف النهائي للطائرة ولكل منها مميزاته وعيوبه.

جناح مثلت في طائرة Mirage 2000

 

جناح مقلوب ومتجه إلى الأمام Sokhoi su 47

محركات الطائرات

تستخدم المحركات لدفع الطائرة إلى الأمام والتغلب على قوى السحب. وتطورت محركات الطائرات تطورًا كبيرًا منذ بداية تصنيعها.

في البداية كانت المحركات تعتمد على تقنيات الاحتراق الداخلي والتي يتم فيها حرق الوقود داخل غرفة احتراق مولدة الغاز الذي بدوره يدفع المكبس الى أقصي إزاحة ثم يعود المكبس إلى مكانه عن طريق القصور الذاتي لعجلة مدمجة به. وتتكرر العملية منتجة الطاقة اللازمة لتدوير مراوح الدفع. وكانت المكابس ترص بطريقة طولية أو دائرية حسب تصميم كل طائرة.

محرك احتراق داخلي للطائرات
محرك احتراق داخلي للطائرات

ومن الجدير بالذكر، أن الطائرات الحربية كانت تستخدم هذا النوع من المحركات وواجهت معضلة إطلاق الرصاص على الأعداء بينما المرواح تعوق ذلك. فتم ابتكار آليات مزامنة بين الطلقات وحركة المروحة بحيث لا تعترض الشفرات الطلقات أبدا؛ ما يمكن الطيار من إطلاق النار في أي وقت من خلال المراوح.

محرك طائرة ذو مكابس

تحقيق قوة الدفع عن طريق المروحة

تمثل المروحة المتصلة بالمحرك في مقدمة الطائرة جناحا منحنيًا يدفع الطائرة للأمام. وهو نفس الحال في مراوح الطائرات الهيلوكوبتر. يعتمد تصميم المروحة نفس مبادئ تصميم الأجنحة غير أنها أقصر وأكثر انحناءً. ويتولد الرفع في هذا الجنيح في اتجاه حركة الطائرة مكونًا قوة الدفع؛ ما يسمح للطائرة بالتقدم إلى الأمام في الهواء.

مروحة طائرة

محركات الدفع النفاث

في الحرب العالمية الثانية وما تلاها دعت الحاجة إلى وجود محركات دفع ذات قدرات عالية لتسيير الطائرات. فتم تطوير محرك الدفع النفاث قبيل نهاية الحرب وبعد انتهائها.

تستخدم المحركات النفاثة القانون الثالث لنيوتن؛ حيث تقوم بتعجيل غازات الاحتراق إلى سرعات عالية؛ ما يمكنها من الحركة للأمام بسرعات تتجاوز سرعة الصوت في الهواء.

يوجد نوعان شهيران من المحركات النفاثة، هما: Turbo jet و Turbo Fan والنوعان لهما نفس مبدأ العمل تقريبًا غير أن Turbo Fan يمتلك مروحة كبيرة في مقدمته تدفع الهواء إلى داخل المحرك.

كيف تعمل المحركات النفاثة؟

يتكون المحرك النفاث من ثلاث مراحل أساسية وهي:

  • مرحلة ضاغط الهواء
  • مرحلة الاشتعال: وفى هذه المرحلة يتم خلط الوقود بالهواء المضغوط وإشعاله ومن ثم مروره بالتوربينات لتحريك الضواغط أو المروحة المدمجة.
  • مرحلة خروج العادم: تخرج الغازات الناتجة عن الاحتراق بسرعات عالية؛ ما يؤدي إلى دفع الطائرة إلى الأمام.
محرك نفاث

محركات جديدة للطائرات

ومع اندلاع ثورة الطائرات الحديثة سواء كانت مسيرات أو مركبات طائرة كالتاكسي الطائر وغيرها انتشر استخدام المحركات الكهربية لتسير ودفع الطائرات في التطبيقات المدنية والعسكرية على حد سواء.

الرابط المختصر :