كيف طور الجرافيك الإبداع في صناعة السينما؟

فيلم ماتريكس

احتلت السينما منذ نشأتها مكانة مميزة لدى البشر. فعلى شاشتها يمكن أن تحول الخيال إلى واقع مبهر. وتطورت إمكانيات وخدع التصوير عبر العصور مرورًا بالخدع البصرية والتعديل على الأفلام انتهاءًا بالرسوم المتحركة أو ما يعرف بالجرافيك.

ولم تكن تلك الأفلام تهدف إلى الإبداع فقط، بل إلى الربح أيضًا. فأفلام، مثل: “Avengers” و “Avatar” قد حققت الكثير من الأرباح للشركات المنتجة، بالإضافة إلى الإبهار والمتعة للمشاهدين.

الكثير من الأفكار والقليل من الإمكانيات

مَثَّل الإبداع في قصص الخيال العلمي عبر التاريخ ومحاولة تحويلها إلى أفلام عائقًا أمام صناع السينما الأوائل عند التصوير. ولكن ذلك لم يحد من اختراع أدوات وحيل تصويرية لتحويل معظمها إلى حقيقة؛ ما أنتج مجالًا صناعيًا كاملًا أطلق عليه اسم المؤثرات البصرية.

كان التصوير في بدايات السينما عبر أفلامًا تحمل مادة كيميائية تتفاعل مع الضوء. وبمعالجة هذه الأفلام بعد تعرضها للضوء بواسطة الكاميرا (عملية التصوير) تنتج ما يعرف بالنيجاتيف. وتعرض الصور على الشاشة باستخدام ضوء قوي يمر عبر تلك الأفلام المعالجة أو النيجاتيف.

وكانت تتطلب الخدع السينمائية آنذاك تغييرًا على أشرطة الأفلام نفسها عند التصوير أو بعده. وكانت تلك العملية صعبة ومكلفة في الوقت والجهد، ولكن أحيانًا ينتج عنها فساد الفيلم؛ ما يستلزم إعادة التصوير.

 

كاميرا تصوير أفلام قديمة

مؤثرات بصرية لإنتاج واقع جديد

في بعض الأحيان يحتاج المخرجون إلى تصوير شيء خيالي أو منقرض، ولا يمكنهم الحصول على مثله للتصوير. في هذه الحالات يلجأ صناع السينما إلى المؤثرات البصرية. ويمثل هذا التخصص السينمائي صناعة نماذج حقيقية وملموسة للأشخاص أو الأشياء المراد تصويرها أمام الكاميرا.

فمثلا في فيلم “Jurassic Park” تم إنتاج ديناصورات في موقع التصوير وتحريكها بمحركات كهربية؛ لتصوير المشاهد الخاصة بالفيلم.

 

مؤثرات بصرية لديناصور

 

يمكن باستخدام هذه التقنيات إنتاج الكثير من التأثيرات كالانفجارات والضباب والمطر وغيرها. ويمكن دمج هذه المؤثرات أمام الكاميرا سواء كانت ميكانيكية كروبوت الديناصور سالف الذكر مثلا أو تأثير كضباب ومطر وأعاصير وخلافه.

وتشمل أيضًا المكياج الخاص بالشخصيات كأن يلبس الممثل مايشبه مظهر ووجه قرد. واستخدمت هذه الطرق منذ فجر السينما إلى الآن؛ ما أضفى الكثير من الخيال والمتعة، وكذلك الواقعية في المنتج النهائي للأفلام المصورة.  ويتطلب تطبيق هذه المؤثرات شركات متخصصة لإنتاج مؤثرات واقعية بقدر الإمكان، وكذلك لتجنب وقوع الحوادث في مشاهد التفجير على سبيل المثال.

الكومبيوتر في صناعة السينما

منذ ظهور الكومبيوتر أدرك القائمون على السينما ما يمتلكون من إمكانيات من شأنها أن تصنع ثورة حقيقية في صناعة السينما. ففي عام 1982، استخدم فيلم “Tron” الرسوم المتحركة المولدة باستخدام الكومبيوتر، الجرافيك، على نحو كبير؛ حيث قدم عالمًا رقميًا مبتكرًا. وكذلك استخدموا هذه المؤثرات في فيلم “Jurassic Park” عام 1993، لتصوير الديناصورات؛ ما يعد ثورة في تصوير الكائنات الحية على الشاشة.

وأصبح فيلم “The Matrix”، الذي أخرجته كلا من Lana Wachowski وLilly في عام 1999، فيلمًا أيقونيًا بسبب استخدام تقنيات جديدة في الجرافيك وتصويرها، مثل: تقنية “Bullet Time”. ومكنت هذه التقنية من تصوير ديناميكي بطيء للشخصيات، ومقارنة ذلك بحركة الرصاصات في مشهد حُفر بذاكرة أجيال ممن شاهدوا الفيلم.

ومع تطور قدرات الكومبيوترات توسع استخدامها في السينما، وأصبحت تنتج معظم المؤثرات البصرية اليوم. ويدمج تلك المؤثرات رقميًا في الأفلام باستخدام تقنيات، مثل: الشاشات الخضراء “Chroma Key” وشاشات عرض الخلفية.

الشاشات الخضراء “Chroma Key”

عند محاولة دمج مشهدين أو إضافة عنصرًا غير موجود بالفعل في الصورة، يلجأ صناع السينما إلى تقنية تعرف بالشاشة الخضراء. في هذه الطريقة يصور المشهد وفي خلفيته شاشة كبيرة خضراء اللون. وبعد التصوير يتعرف الكومبيوتر على حدود الأشخاص والأشياء اعتمادًا على التفرقة في اللون بين الأخضر كخلفية ولون ملابس الشخصيات. يضيف الكومبيوتر بعد ذلك أو يحذف العناصر ويدمجها مع الصورة الأساسية؛ لينتج ما يراه المشاهد على الشاشة.

مكنت هذه التقنية صناع السينما من صنع الكثير من المؤثرات والمشاهد والتي قد تصل إلى حد استحالة تصويرها في الواقع دون تلك التقنية.

 

Chroma key

 

شاشات عرض الخلفية

في هذه التقنية تستخدم شاشة عرض في خلفية المصورين. وتتحرك زاوية العرض تبعًا لحركة الكامير؛ ما يضفي حيوية على المشاهد المصورة. وتتطلب هذه التقنيات تصميم المشهد أولًا ومن ثم التصوير واختبار المنتج النهائي. ويمكن استخدام هذه الطريقة في إخفاء شخصيات من الصورة مثلًا أو حتى مباني وغيرها. ويمكن أن تستخدم هذه الطريقة في الألعاب أيضًا، ولا يقتصر دورها على السينما.

الصور المولدة بالكومبيوتر (CGI)

تستخدم في هذه التقنية الكومبيوترات فقط في إنتاج الجرافيك وتحريكها. لا يمكن وصف الإبداع الذي يمكن إنتاجه بمثل تلك التقنية؛ حيث يمثل الخيال العائق الوحيد أمام القائمين على الصناعة. وتعتمد هذه التقنية في الألعاب أيضًا بصفة خاصة.

وعلى الرغم من أن هذه التقنية تبدو سهلة، فإنها تتطلب الكثير من فرق الإنتاج، والتي يتخصص كلا منها في مجال واحد من إنتاج الرسوم. يوجد فريق “FX simulation” والذي يختص بمحاكاة الواقع الفيزيائي للصور، كحركة الشعر وحركة الماء والنار وغيرها؛ ما يضفي واقعية على الأفلام المنتجة.

ونجد مختصي الإضاءة المسؤولين عن إضاءة الشخصية، وتغير إضاءتها عند الحركة وتوافقها مع الخلفية. وكذلك الرسامون المساعدون من يقع على عاتقهم بناء البيئات كالجبال أو الأنهار وغيرها. بالإضافة إلى كل ما سبق نرى فرق التطوير المبرمجين المختصين في تطوير البرمجيات المستخدمة؛ لتحسين الأداء وكفاءة التشغيل وغيرها.

ويمكن أيضًا أن يستخدم “CGI” لإنتاج مقاطع محددة في الصورة كـيد روبوت أضيفت لأنسان مثلًا أو غيرها من التفصيلات.

 

CGI من فيلم Plant of the Apes

دمج الثلاث تقنيات

لا يقتصر استخدام إحدى التقنيات الرئيسة الثلاث، المؤثرات البصرية، وتقنيات الدمج، وكذلك CGI، في إنتاج الأفلام، بل يمكن استخدامهم مجتمعين أو على حدة من أجل إنتاج صور أكثر واقعية. فعلى سبيل المثال في فيلم “1917” كان مشهد طائرة تتحطم في حظيرة بداخلها جنديان. بنوا الحظيرة والطائرة رقميًا، ثم أسقطوها بواسطة الكومبيوتر. وصوروا الجنديين بالكاميرا بالتصوير الطبيعي، وبعد سقوط الطائرة وتحطمها أضافوا هيكل مشتعل لاستكمال تصوير المشهد. وكانت النتيجة وكأن الجندى الثالث في الحظيرة بالفعل.

تقنيات إنتاج الرسوم المتحركة في الألعاب

لم يقتصر استخدام تلك التقنيات فقط في الأفلام، وإنما تستخدم بغزارة في إنتاج الألعاب أيضًا. وتمثل محركات الألعاب، وهي برامج مسؤولة عن إنتاج الألعاب، مثلًا حيًا على ذلك؛ حيث توفر هذه المحركات بيئات تحريك للشخصيات وإنتاج للبيئات المحيطية للعبة. وكذلك توفر برمجيات إضافة الصوت وغيرها لإنتاج ألعاب تتسم بالواقعية قدر الإمكان.

 

صورة من لعبة Cyberpunk 77

 

ويعد “unreal 5” أحد محركات الألعاب الشهيرة نموذجًا متطورًا لمحركات الألعاب التي تضفي واقعية للمنتج النهائي؛ حيث تظهر الكثير من الألعاب. مثل: Cyber punk 77 أنماطًا واقعية جذابة، وكأنها قد صورت بكاميرا تصوير عادية في الحياة الواقعية، وليس من إنتاج الجرافيك.

وبظهور نظارات الواقع الافتراضي والمعزز يمكن أن تؤدي تلك التقنيات جانب مهم في تطور الألعاب، ويمكننا أن نرى في يومًا ما واقعًا كلعبة الواحة في فيلم “Ready Player One” وعالم من الجرافيك الحقيقي الذي يضاهي الواقع، ولكن بخيال لا حدود له.

الرابط المختصر :