يعتمد الإنسان على حواسه في إدراك الواقع المحيط به. وتعد حواس البصر والسمع من أهم الحواس التي حبانا بها الله لاستكشاف العالم حولنا. ولكن من المعروف أن تلك الحواس محدودة المدى والحساسية، ولذلك طور الإنسان تكنولوجيات يمكنها أن ترصد أبعد مما تراه عيناه.
تعد تقنية الرادار أحد تلك التقنيات التي يمكنها أن تكشف الأجسام وحركتها، سواء في البر أو البحر أو الجو وحتى في الفضاء. وتستخدم هذه التقنية أجزاءً من الطيف الكهرومغناطيسي للكشف عن تلك الأجسام.
ما الطيف الكهرومغناطيسي؟
يتكون الطيف الكهرومغناطيسي من مجموعة موجات كهرومغناطيسية تختلف فيما بينهما في التردد والطول الموجي. وتختلف طاقة الأشعة تبعا إلى ترددها. ويشمل ذلك الطيف الكهرومغناطيسي موجات الراديو وموجات الميكروويف والأشعة تحت الحمراء والضوء المرئي. كما يحتوي أيضًا على الأشعة فوق البنفسجية وأشعة أكس وأشعة جاما والأشعة الكونية.
ويمكن لجسم الإنسان استشعار الأشعة تحت الحمراء على صورة حرارة على الجلد، في حين يمكن لأعيننا أن تستبصر الجزء المنظور من الطيف الكهرومغناطيسي. بينما يمكن لأشعة جاما أن تدمر الخلايا الحية.
وتسافر كل موجات الطيف الكهرومغناطيسي في الفراغ بسرعة الضوء أي بسرعة تقدر بنحو 3*(10^8) متر لكل ثانية. بينما يختلف كل شعاع في طاقته وتأثيره على جسم الإنسان والمواد التي تعرض لها. وفي السياق نفسه تستخدم موجات الطيف الكهرومغناطيسي في استخدامات عدة، مثل: الطب والفضاء والاتصالات ومختلف أفرع التكنولوجيات الحديثة تقريبًا.
موجات الميكروويف
موجات الميكروويف نوع من الموجات الكهرومغناطيسية التي تستخدم في أنظمة الكشف ورصد الأجسام، فيما يعرف بتقنية الرادار. وهي بالمناسبة الموجات نفسها المستخدمة في أجهزة الميكروويف المنزلية الاعتيادية.
وتعتمد تقنية الرادار بشكل أساسي على الترددات الراديوية (RF) أو الميكروويف. وتمتاز تلك الأشعة بالقدرة على الانعكاس عن الأسطح المعدنية بسهولة؛ ما يسهل رصد وكشف الأجسام وخاصة الطائرات في الجو أو مركبات الفضاء. ويقع نطاق موجات الرادار في المدى بين موجات الراديو وموجات الأشعة تحت الحمراء.
تقنية الرادار
كلمة رادار اختصار للأحرف الأولى من الكلمة الإنجليزية “Radio Detection and Ranging“، وتعني اكتشاف الأجسام وتحديد موقعها بواسطة موجات الراديو. وتعد تلك التقنية مستخدمة بكثافة في كلا التطبيقات المدنية والعسكرية منذ الحرب العالمية الثانية. حيث كان لاكتشاف واستخدام تلك التقنيات بالغ الأثر في هزيمة الألمان بالحرب العالمية الثانية، وخاصة في معركة لندن.
مكونات المنظومة
وتتكون تقنيات الرادار من أجزاء أساسية لتعمل المنظومة بكفاءة لتؤدي الدور المطلوب. وتتكون تلك المنظومة من:
وحدات الإرسال: تكون تلك الوحدات المسؤولة عن توليد وإرسال موجات الراديو أو موجات الميكروويف التي تستخدم في الرصد. وكذلك تغيّر ترددها وبثها وتوجيهها حسب تعقيد وقدرات نظام الرادار المستخدم سواء عسكريًا أو مدنيًا.
ويمكن للمرسلات توليد العديد من النطاقات “Bands”، التي تختلف فيما بينها في الترددات والاستخدامات. يمكن للمرسلات أن ترسل أكثر من “Band” في وقت واحد، أو أن تتنقل بينها بخوارزمية محددة في أثناء التشغيل لإعطاء دقة أكبر.
المستقبلات
تستقبل الهوائيات (عادة ما تكون هوائيات الإرسال نفسها) الموجات المنعكسة عن الهدف، وتحللها وتحلل سرعتها؛ ما ينتج عنه تحديد المسافات والسرعات للأجسام في نطاق الرصد.
ويمكن لمستقبلات الرادار أن تكون إيجابية، أي أنها ترسل إشارات ومن ثم تستقبلها، أو سلبية حيث تعتمد على الرصد الصامت. في هذه الطريقة والمعتمدة عادة في التطبيقات العسكرية تعمل المستقبلات على نحو مستقل في وحدات دون إرسال. وتعتمد فكرة عملها على اكتشاف الإشعاع الكهرومغناطيسي سواء في مدى الرادار أو الأشعة تحت الحمراء أو حتى موجات الاتصال لرصد الطائرات المعادية.
ويعتمد الرصد على عوامل عدة، منها: المواد المصنع، ومادة الهدف، وهندسية إنشاؤه. كما يقلل استخدام مواد ممتصة لموجات الرادار لصنع الطائرات في إمكانية رصدها عامة. وتمثل التضاريس أيضًا حائلًا مهمًا للكشف عن الأهداف.
بينما يمكن للطائرات أن تقلل المستوى المنعكس من أشعة الرادار، التي تصل للمستقبلات فيما يعرف بالبصمة الرادارية. ويمكن تعريفها بأنها مساحة مقطع الهدف كما يظهر لمستقبلات الرادارات عند الرصد.
تأثير دوبلار وتحديد المسافات
هل سمعت يومًا صافرة قطار يقترب منك، ولاحظت أن الصوت يزداد حدة باقتراب القطار، ومن ثم تنخفض الحدة إذا ولى مبتعدًا؟
على الرغم من أن تردد الصافرة في الحالتين واحدة، فإن ما حدث في تلك اللحظات يمكن شرحه بواسطة ظاهرة فيزيائية تسمى تأثير دوبلر (Doppler Effect).
ويمكن تعريف تأثير دوبلر على أنه ظاهرة في الفيزياء تُعبر عن التغيير في التردد أو الطول الموجي للأمواج، مثل: الصوت أو الضوء أو الموجات الكهرومغناطيسية، عندما يتحرك المصدر أو المراقب بالنسبة لبعضهما البعض.
عندما يتحرك مصدر الموجات نحو المراقب، فإن الموجات تتراكم وتقترب من بعضها؛ ما يؤدي إلى زيادة التردد أو تقصير الطول الموجي. أما إذا كان المصدر يبتعد عن المراقب، فإن الموجات تبتعد عن بعضها البعض؛ ما يؤدي إلى تقليل التردد أو زيادة الطول الموجي.
ويستخدم الرادار تأثير دوبلر لقياس سرعة الأجسام المتحركة. فعندما تنعكس الإشارة الرادارية من جسم متحرك، يتغير تردد الإشارة بناءً على سرعة الجسم. ومن ثم بتطبيق معادلات حسابية يمكن معرفة مكان وسرعة الجسم وكذلك معرفة اتجاهه.
تحت مستوى الرادار
تتحرك موجات الرادار في خطوط مستقيمة؛ حيث أنها موجات كهرومغناطيسية. ومن ثم فإن انحناء الأرض يؤثر في انتشار الموجات؛ حيث تتحرك الموجات مماسية للأرض عند نقطة البث، ولكن مع زيادة المسافة عن نقطة البث يكون مستوى انتشار الموجات بارتفاع معين عن سطح الأرض ولا يمكن للموجات الانتشار تحته. ما يعني أن الأجسام لن ترصد إلا إذا اقتربت بمسافة معينة من نقطة البث لتتقاطع مع مسار انتشار الموجات. وتمثل المسافة بين سطح الأرض وامتداد شعاع البحث منطقة عمياء لا يمكن للرادار أن يرى فيها الأجسام أو يرصدها. وهذا ما يسمى “الطيران تحت خط الرادار”. في بعض الحالات، يضطر الطيارون للطيران على ارتفاعات منخفضة؛ لتجنب الكشف قدر الإمكان في المهام العسكرية خاصة.
وعلى الرغم من الفوائد التي يمكن للطيارين اغتنامها من الطيران تحت خط الرادار، فإن طريقة الطيران تلك محفوف بالمخاطر. حيث تزيد احتمالية التصادم مع المباني أو موجات البحر العالية؛ ما قد يتسبب في أضرار بالغة للطيارين والطائرات على حد سواء.