دراسة جديدة عن “الطاقة المظلمة” تغير نظرتنا للكون

المخطط الزمني للكون

من الممكن أن تؤدي دراسة جديدة عن “الطاقة المظلمة” للإجابة على سؤال حول كيف بدأت الخليقة. حيث يسعى الإنسان للإجابة على سؤال: كيف بدأ الخلق؟ إذ اقترن دومًا بكيفية عمل هذا الكون وتتابع الليل والنهار.

ومن الجدير بالذكر أنه في القرنين الماضيين قطع العلماء شوطًا كبيرًا للإجابة عن هذه الأسئلة بفضل التكنولوجيات التي أتيحت لرصد الكون ودراسته.

نسيج الكون العظيم

يعد “نيوتن” أول من صاغ قوانين الجاذبية على أسس رياضية. وفسر الجاذبية على أنها قوى تنشأ بسبب كتلة الأجسام، ولهذا تتقارب الأجسام  مع الزمن بقوة تتناسب مع حاصل ضرب مقدار الكتلتين.

كانت تلك النظرية كافية لتفسير جاذبية الترابط بين الشمس وعناصر المجموعة الشمسية. واعتمدت الأوساط العلمية تلك النظرية حتى بدايات القرن العشرين، حين ظهرت نظرية النسبية لـ”أينشتاين”.

تبنت نسبية “أينشتاين” مفهومًا جديدًا، وهو أن الزمان نسبي ويتغير بتغير المكان في الكون. وأن الكون مكون من نسيج ناتج عن اتحاد الزمان والمكان في آن واحد.

وأن الكتل الكبيرة للكواكب والنجوم والمجرات تُنتج انحراف في هذا النسيج (الزمكاني) والجاذبية ناتجة عن وجود الأجسام على حواف هذا التشوه في “الزمكان”. كما يمكن لهذا التشوه أن يحرف الضوء عن مساره وكذلك يبطئ سريان الزمن.

الكون صورة تعبيرية
الكون صورة تعبيرية

رصد نسيج الكون

وقد تم إثبات النظرية النسبية عام 1919، بتجارب أجراها “آرثر إدينغتون”؛ حيث شاهد انحراف ضوء نجم يقع خلف الشمس. إذ دار الضوء حول الشمس نتيجة كتلتها الكبيرة، ليتم رصده في حال كسوف الشمس.

وكذلك تنبأت النظرية بوجود الثقوب السوداء، التي رصدت فيما بعد. وتم إثبات وجود “الزمكان” بتجارب موجات الجاذبية والتي رصدت عام 2015. حيث أعلن العلماء في مرصد “ليغو” اكتشافهم لموجات الجاذبية الناتجة عن اندماج ثقوب سوداء.

بينما في عام 1929، اكتشف “إدوين هابل” أن المجرات البعيدة تتحرك بعيدًا عن مجرتنا “درب التبانة”، وأن هناك علاقة بين المسافة وسرعة الابتعاد.

وبهذا الاكتشاف تأكد العلماء أن الكون يتوسع باستمرار وكان هذا أساسًا لنموذج توسع الكون. كما أدى أيضًا إلى تطوير قانون هابل الذي ينص على أن سرعة ابتعاد المجرات تتناسب مع المسافة بينها وبين الأرض.

الكون - ناسا
الكون – ناسا.

نظريات نشأة الكون

وبعد ثبوت تلك المشاهدات صاغ  العلماء الكثير من النظريات حول نشأة الكون وكيف ظهرت الحياة إلى الوجود. وحاولت تلك النظريات تفسير المشاهدات من المراصد المختلفة، وكذلك تفسير البيانات المتاحة من الرصد بأطياف مختلفة مثل مدى الأشعة تحت الحمراء أو الضوء المرئي وأشعة  X-ray  وأيضًا، كيف نشأت وتكونت النجوم والمجرات؟

نظرية الكون المستقر

تتصور تلك النظرية الكون كما لو كان مستقرًا وفي حالة ثابته، ويعوض التمدد بخلق المادة بصورة مستمرة في جنباته؛ ما يؤدي الى توسع الكون وتمدده.

نظرية الكون المتذبذب

تنص تلك النظرية على أن الكون الذي نعيش فيه هو كون نشأ بعد فناء كون قديم.  حيث ينفجر الكون ويتمدد ومن ثم ينكمش ويموت ليولد كون جديد وهكذا في دورات متعاقبة. ولم تحظ تلك النظرية على اهتمام علمي كبير؛ حيث لا يمكن التحقق منها بأي أدوات علمية متاحة.

وكذلك هناك نظرية الأكوان المتعددة و التي تنص على أن هناك مليارات الأكوان التي تتواجد خارج حدود كوننا. ولا يمكن لكل تلك النظريات التحقق والتثبت منها بواسطة العلوم والتكنولوجيات المتاحة حاليًا.

مجلة اندروميدا.

نظرية الانفجار العظيم

ومن أشهر تلك النظريات التي تتحدث عن نشأة الكون نظرية الانفجار العظيم. حيث تتلخص تلك النظرية بأن مادة الكون كانت مكدسة بشدة في نقطة صغيرة لانهائية الكتلة وذات درجة حرارة مرتفعة للغاية. ثم انفجرت تلك النقطة مبعثرة مادة الكون في كل الاتجاهات. ومن ثم تكونت المجرات والنجوم والكواكب التي نعرفها الآن على مدار 13.8  مليار سنة في الماضي.

في هذا النموذج المسمي بالنموذج القياسي يمكن تفسير تباعد المجرات في الفضاء. كما يمكنه تفسير إشعاع خلفية الميكروييف الكونية.

ويمكن تعريفها على أنها إشعاع في مدى الميكرويف نشأ عندما بدأت برودة الكون. وحدث ذلك بعد مرور حوالي 380 ألف عام من الانفجار العظيم.

حينها سمحت درجة حرارة الكون بتكون الذرات من اتحاد النويات والإلكترونات؛ ما نشأ عنه الذرات وهذا السطوع والمسمي بخلفية الميكروويف الإشعاعية Cosmic Microwave Background. واكتشفت تلك الأشعة التي تملئ خلية الكون عام 1965.

المادة المظلمة والطاقة المظلمة

افترض النموذج القياسي، أن هناك طاقة مظلمة تملئ ربوع هذا الكون تتسبب في زيادة اتساع الكون. ولا تتفاعل الطاقة المظلمة مع المواد المكونة للكون ولهذا لا يتم رصدها. ولم يتم رصد المادة المظلمة في الكون حيث انه لا سبيل الى رصدها حيث لا تصدر ضوءا ولا تتفاعل مع الاجرام والمجرات.

وفسرت تلك الفرضية ظاهرة اتساع الكون وتسارعه. غير إن هذه الفرضية قد تواجه تساؤلات بعد صدور دراسات جديدة تفيد بأنها قد لا تكون موجودة في الأساس.

دراسة جديدة عن المادة المظلمة

وفى دراسة جديدة قام بها فيزيائيون وعلماء الفلك في جامعة Canterbury  في Christchurch بنيوزيلندا. باستخدام تحليل محسن لمنحنيات ضوء المستعرات العظمى لإظهار أن الكون يتوسع بطريقة أكثر تنوعًا و”تكتلًا”.

تدعم الدراسة الجديد تفسيرًا جديدًا لتمدد الكون يسمي نموذج “التدرج  الزمني” للتوسع الكوني. في هذا النموذج يمكن تفسير تمدد الكون دون الحاجة الى مفهوم الطاقة المظلمة.  حيث يمكن تفسير تمدد الكون نتيجة تمدد الضوء، وليست نتيجة لكون متسارع أي أن المشكلة نتجت عن كيفية معايرة الوقت والمسافة في الفضاء الواسع.

ويمكن فهم ذلك إذا أخذ في الاعتبار بأن الجاذبية تبطئ الوقت، لذا؛ فإن الوقت في الفضاء الفارغ يمر بوتيرة أسرع من الوقت داخل أي من المجرات.

ويعتقد العلماء أن الطاقة المظلمة هي قوة مضادة للجاذبية تعمل بشكل مستقل عن المادة وتشكل حوالي ثلثي كثافة الكتلة والطاقة في الكون.

 

مجموعة من المجرات من تليكسوب هابل – ناسا

زمن نسبي يتسارع ويبطئ

يشير النموذج إلى أنه لو أي ساعة موضوعة في مجرة ​​درب التبانة ستكون أبطأ بنحو 35 %  من نفس الساعة موضوعة في فراغ بين المجرات.

ما يعني أن المجرات التي يأتينا ضوءها من مسافات بعيدة، ومرت في فراغات كونية كبيرة، ستبدو كما لو كانت تتحرك بسرعة أكبر من سرعة المجرات القريبة.

وهذا بدوره يسمح بمزيد من الإيحاء بتمدد  الفضاء. مما يجعل الأمر يبدو وكأن التوسع يزداد سرعة، كما نمت مثل هذه الفراغات بين المجرية لتهيمن على الكون.

وفي هذا الصدد يقول  David Wiltshire، الباحث الرئيس للدراسة: “تظهر نتائجنا أننا لسنا بحاجة إلى الطاقة المظلمة لتفسير سبب توسع الكون بمعدل متسارع. ويمكن القول بأن الطاقة المظلمة هي تحديد خاطئ للاختلافات في الطاقة الحركية للتوسع، التي ليست موحدة في كون متقطع مثل الكون الذي نعيش فيه بالفعل”.

ويضيف  Wiltshire قائلًا: “يوفر البحث أدلة دامغة قد تحل بعض الأسئلة الرئيسة حول غرائب ​​كوننا المتوسع. فمع البيانات الجديدة، يمكن تسوية أكبر لغز في الكون بحلول نهاية العقد”.

يشار إلى أن الدراسة قد نشرت  في مجلة Monthly Notices of the Royal Astronomical Society Letters.

 

 

الرابط المختصر :