لم يسبق وانهار سور “الصين العظيم” بصورة سريعة وبشكل علني من قبل، إلا أنه وخلال أقل من شهر من تصريحات قادة مقاطعة “هوبي” الصينية التي تشير إلى توقعاتهم بنمو الناتج المحلي الإجمالي للمقاطعة بنسبة 7.5% خلال العام الجاري، تم وضع المقاطعة بأسرها تحت الحجر الصحي بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد الذي انتشر حاصدًا للأرواح في البلاد، وهو ما أدى إلى تهميش أكثر من ٥٠ مليون شخص وجعل مطامح ارتفاع معدلات النمو لهذا العام بعيدة المنال.
وعلى الرغم من حالة التفاؤل التي سادت أوساط الشركات الصينية نتيجة ارتفاع مؤشرات البورصة؛ والتي جاءت نتيجة لإبرام بكين وواشنطن صفقة تجارية خلال الأشهر القليلة التي سبقت انتشار فيروس كورونا، إلا أن هذا التفاؤل انهار عقب تفشي الوباء، وبعد أن بدأ المسؤولون في الصين خوض معركة ضارية لمكافحته.
وانخفضت مؤشرات البورصة الصينية عن الشهر الماضي بنسبة 10%؛ نتيجة إغلاق المصانع والمكاتب، التي كان من المفترض إعادة فتحها في الأيام الأخيرة بعد عطلة العام الجديد مباشرةً، إلا أن القيادة في بكين أمرت معظم المقاطعات بفرض حالة إغلاق لكل النشاطات التجارية حتى يوم 10 فبراير الجاري على الأقل؛ ولا يقل الوضع سوءًا في المناطق الريفية الصينية عن المقاطعات؛ حيث حذر المزارعون من تضور الحيوانات جوعًا نتيجة الطوق الأمني المفروض والذي حال دون وصول إمدادات أعلاف ماشيتهم.
وفي حديث جذب اهتمام الكثير من وسائل الإعلام العالمية مع مؤسس سلسلة مطاعم Xibei الصينية، أعرب فيه عن تخوفه من الوضع الراهن قائلًا: “إن قلة من المواطنين فقط هم الذين يجرؤون على الخروج والتردد على الفنادق والمطاعم، وإذا استمر إغلاق المطاعم والمحال العامة لبضعة أشهر أخرى، فقد يفقد أعدادٌ كبيرة من العاملين فيها وظائفهم”؛ وتساءل “ألا تكون هذه أزمة اقتصادية؟”.
وعلى الرغم من تنبؤ العديد من المحللين الاقتصاديين بتوسع الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنحو6% على أساس سنوي في الربع الأول خلال العام الحالي، إلا أن العديد منهم خفض سقف توقعاته إلى 4% بعد انتشار “كورونا”، وهي النسبة الأقل انخفاضًا لمؤشرات الاقتصاد الصيني منذ عام 1992.
وعلى النقيض من توقعات المحللين الاقتصاديين، فعلى ما يبدو أن المسؤولين الصينيين واثقون إلى حد ما من تخطي تلك الأزمة، وأن اقتصادهم سينتعش مرة أخرى كما حدث من قبل وازدهر عقب نجاح البلاد في القضاء على العديد من الأوبئة، ولكن هناك ثلاثة علامات استفهام تدور في أذهانهم ليس لديهم إجابات عنها في الوقت الراهن وهي: كم من الوقت سيحتاجون لاحتواء كورونا؟! ومتى ستخفف الحكومة من القيود الصارمة على الحياة اليومية؟ ومتى سيستأنف المواطنين دوامة النشاط التي تجعل الاقتصاد الصيني ينبض بالحياة مجددًا؟
لا شك في أن بكين تواجه على المدى القريب تحديات خاصة تجاه سياستها الاقتصادية، ولكن مجموعة الحزم التحفيزية الكبيرة التي تقدمها الحكومة حاليًا لا تتناسب مع تأخرها في الإنفاق سابقًا، كما أن تلك الحزم تعد بمثابة دواءً خطيرًا حتى وإن انخفضت معدلات النمو، فقد تبدأ المشروعات التي أعلنت عنها الحكومة في الآونة الأخيرة في الوقت نفسه الذي يتعافى فيه الاقتصاد ويستجمع قوته؛ ما قد يلحق ضررًا بالغًا بالنشاط الاقتصادي؛ لذا فإن التدابير الهادفة لمساعدة الأشخاص والشركات في الخروج من هذه الأزمة لا بد أن تكون أكثر تعقلًا وحكمة، على أن يتم تقليصها تدريجيًا عقب انتعاش الاقتصاد في نهاية المطاف، ولكن ذلك سيستلزم فهم تلك التدابير على الوجه الصحيح وهذا ليس بالأمر الهين.
وانتهج المسؤولون الصينيون سياسات اقتصادية تمثلت في الجمع بين الدعم النقدي المؤقت، وتحمل التدخل في الأسواق، كما ضخ البنك المركزي الصيني في الشهر الماضي نحو 1.2 تريليون يوان (172 مليار دولار) في النظام المالي وذلك لشراء سندات الخزانة من البنوك، التي وعدت بشرائها مرة أخرى في غضون 14 يومًا، ورغم أن البنوك قد تعاني من ارتفاع حالات التخلف عن سداد القروض في الأسابيع المقبلة، إلا أن هذا منحها المزيد من المال للعمل على المدى القريب مع إمكانية تقديم البنك المركزي لمزيد من الدعم إذا لزم الأمر.
وكانت “رويترز” ألقت الضوء مؤخرًا على بعض الإجراءات والتدابير التي انتهجتها بكين لاحتواء الأزمة الاقتصادية المتوقعة؛ حيث أشارت “رويترز” إلى أن الحكومة الصينية تدخلت في أعمال البورصة أو -كما صرحت- باتت (تديرها)، كما طالبت الجهات الرقابية الصينينة الوسطاء بمنع العملاء من البيع على المكشوف؛ بهدف الحد من الضغط الهبوطي، وأدت وسائل الإعلام الحكومية أيضًا دورًا كبيرًا في التشجيع، مشيرة إلى أن شركات التأمين الكبيرة المملوكة للدولة تهيأت لتحصيل الأسهم بأقل من قيمتها؛ ويبدو أن الاستراتيجيات التي نفذتها الحكومة الصينية مكنتها بصورة مؤقتة من احتواء الأزمة، على الأقل حتى الآن، فعلى الرغم من انخفاض أسعار الأسهم بنسبة 8% منذ 3 فبراير الماضي والذي كان سببه وبصورة كبيرة اللحاق بسوق هونج كونج الذي كان مفتوحًا في الأسبوع السابق، إلا أن التداول في البورصة الصينية استقر منذ ذلك الحين.
وأخيرًا، أجل المسؤولون الصينيون قرار رفع مساهمات الضمان الاجتماعي عن الشركات في شنغهاي لمدة ثلاثة أشهر والذي كان من المقرر تطبيقه في 1 أبريل من العام الجاري، وهو ما وفر للشركات الصينية ما يقدر بنحو 10 مليارات يوان، كما شجع المسؤولون الصينيون الملاك في بكين على خفض الإيجارات للمستأجرين التجاريين مقابل الدعم، ودعا منظمو البنوك في جميع أنحاء البلاد إلى تحويل قروض نقدية للشركات التي كانت تفتقر إلى مخازن مؤقتة لضمان استمرارية بقائها.
ورغم تفشي فيروس “كورونا” وارتفاع أعداد الضحايا بسبب نقص الأقنعة، والملابس والقفازات داخل المستشفيات، إلا أن بعض المسؤولين ما زالوا يفكرون في التشوهات الاقتصادية التي خلفتها المعركة ضد الوباء؛ حيث صرح “ليو شانغ شي”؛ مستشار وزارة المالية، عقب طلب الحكومة من المنتجين زيادة الإنتاج، قائلًا: “إنهم سيعانون بعد انتهاء الأزمة من الطاقة المفرطة وعلى الحكومة أن تستعد لتعويض المنتجين”.
إن الواقع الجديد القاتم في الصين يحتم ضرورة توجيه كل السياسات، حتى الاقتصادية منها، لبحث كل السبل للتغلب على الوباء القاتل، ومن المؤكد أن طموحات قادة مقاطعة “هوبى” أصبحت الآن بعد تفشي فيروس “كورونا” بعيدة كل البعد عن أرض الواقع، والأولوية هذه الأيام لا تتمثل سوى في زيادة التمويل من أجل ضمان بقاء المجتمع مستقرًا تحت مظلة الحجر الصحي.
بعد قراءة الموضوع يمكنك معرفة المزيد عن الكلمات الآتية:
5G Apple ChatGPT Google iPhone أبل أمازون أمن المعلومات أندرويد إيلون ماسك الأمن السيبراني الإنترنت البيانات التخصصات المطلوبة التكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الزراعة السيارات الكهربائية الصين الطاقة الفضاء المدن الذكية المملكة العربية السعودية الهواتف الذكية تويتر جوجل حساب المواطن رابط التقديم رابط التقديم للوظيفة سامسونج سدايا سيارة شركة أبل شركة جوجل عالم التكنولوجيا فيروس كورونا فيسبوك كورونا مايكروسوفت منصة أبشر ناسا هاتف هواوي واتساب وظائف شاغرة
Leave a Reply