في روايات وأفلام الخيال العلمي يتخيل الأدباء وقتًا يمكن للآلة أن تتحد مع البشر في جسد واحد فيما يعرف بـ “الإنسان السيبراني. كما يحلم الكثير من المعاصرين بالخلود عن طريق نقل وعيهم إلى الآت أو روبوتات كنوع آخر من السيبورغ. كذلك يمكن تعريف السايبورغ بأنه كائن حيّ ذو أجزاء بيولوجية وإلكترونية تمكنه من الحركة أو التحكم بالآلات أو تعطيه قدرات غير طبيعية بالنسبة لأفراد جنسه.

دمج الآلات في أجسام البشر
في العصر الحالي توجد الكثير من الحالات التي يمتلك فيها البشر أجهزة تعويضية مزروعة في أجسادهم. حيث يمكن لتلك الأجهزة تنظيم ضربات القلب أو ازالة رجفانه. وكذلك توجد القوقعة الصناعية المصممة لإعادة السمع. كما يوجد الزراعات التي تساهم في إعادة الإبصار والأطراف الصناعية الإلكترونية. كل هذه الأجهزة بالإضافة إلى ذلك الزراعات الاعتيادية مثل المفاصل الصناعية ودعامات القلب، وغيرها يمكنها تحسين الحياة لكثير من المرضى.
تتمثل المشكلة الأساسية للأجهزة المزروعة في احتياجها المستمر للكهرباء؛ ما يجعل من اللازم شحنها من آن لآخر. غير أن التقدم الأخير الذي حققه فريق من العلماء من جامعة Pittsburgh يفتح آفاقا جديدة لتلك الزراعات، بل يمكنه أن يكون أذانًا بعصر جديد يمكن للجسد البشري أن يتعافى باستخدام الآلات.
مراقبة التئام العمود الفقري لاسلكيا
في تعاون بناء بين قسمي الهندسة المدنية وجراحة الأعصاب في جامعة Pittsburgh بدأ مشروع لإنشاء أول دعامات مزروعة داخل الجسد للعمود الفقري قادرة على إرسال بيانات آنية من داخل الجسم دون الحاجة إلى مصدر طاقة خارجي.
ويهدف المشروع الذي يحمل عنوان: “قفص معدني لاسلكي بين الفقرات لتقييم فوري لالتحام الفقرات القطنية في الجسم الحي” إلى جعل تعافي التحام الفقرات أكثر أمانًا من خلال تمكين الأطباء من تتبع الشفاء عن بعد، والتدخل قبل ظهور المضاعفات.
في الوقت الحالي تعتمد إجراءات الشفاء في تلك الإصابات على دمج فقرتين من العمود الفقري عند منطقة الإصابة باستخدام قفص معدني. كما يضاف جزء عظمي bone graft في المكان المصاب لتحفيز نمو العظم الأصلي في مكان الكسر ومن ثم تثبت معًا بمسامير وأقواس لضمان ثباتها في مكانها. ومن ثم يتم مراقبة العملية كاملة، وكذلك التعافي باستخدام الأشعة السينية وأعراض المريض.
من الكباري إلى زراعات العمود الفقري
ويعلق د. Agarwal، الباحث الرئيسي المشارك والأستاذ المشارك في قسم جراحة الأعصاب: “بعد زرع الجهاز، نراقبه باستخدام الأشعة السينية والأعراض التي يُظهرها المريض”.
وأضاف: “هذا يعني أن على المرضى زيارة الطبيب شخصيًا وتعريض أنفسهم للحركة، وكذلك الأشعة”.
ونظرًا لصعوبة مراقبة عملية الشفاء باستمرار، يعلق Agarwal : “إنها ليست تجربة رعاية صحية متصلة. فعلى الرغم من وجود أجهزة لاسلكية قابلة للزرع، فإنها تعتمد على البطاريات والإلكترونيات. ما يحد من عمرها الافتراضي”.
وكطالب دكتوراة، انتج Amir Alavi أجهزة استشعار يمكنها الاحساس بإجهاد الكباري أو ضعفها وإرسال البيانات الى المراقب كجزء من مراقبة الحالة العامة للكباري في قسم الهندسة المدنية. صممت تلك الأجهزة لإنتاج طاقتها الذاتية. كما أنها أرسلت تنبيهات عندما تظهر الكباري علامات إجهاد أو ضعف. وفي وقت لاحق أدرك Alavi أن الفكرة نفسها يمكن تطبيقها على غرسات العمود الفقري.

مواد جديدة ومبتكرة
يعلق Alavi، الباحث الرئيسي والأستاذ المشارك في الهندسة المدنية والبيئية، واصفًا تلك الاجهزة: “لا بطاريات، لا هوائيات، لا إلكترونيات في الجسم الحي”.
“من خلال دمج تصاميم مواد خاصة مع حاصدات الطاقة المتناهية الصغر، يمكننا أن نصنع غرسات خالية تمامًا من البطاريات والإلكترونيات، وتعمل ذاتيًا من خلال الكهرباء الساكنة عند التلامس”.
في عام ٢٠٢٣، بدأ Alavi و Agarwal بدمج هذه التقنية في عمليات دمج العمود الفقري. حيث يصف بحثهما، المفصل في مجلة ” Materials Today “، غرسات تعمل على تثبيت العمود الفقري ومراقبته أثناء التعافي. قال Alavi: “نُنشئ أقفاصًا لجراحة دمج الفقرات، تتمتع، مثل الخلايا البشرية، بذكاء طبيعي مُدمج”.
مع شفاء العمود الفقري، تتغير إشارة الزرعة. وأوضح Alavi: “إذا كان العمود الفقري يتعافى، يبدأ العظم بتحمل المزيد من الحمل، وتنخفض إشارة الزرعة المُولّدة ذاتيًا بشكل طبيعي. بعد الجراحة مباشرةً، تصبح الإشارة أقوى. لأن الصفائح الطرفية للفقرات تضغط بقوة أكبر على القفص”.

استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة
تستقبل قطب كهربائي على ظهر المريض إشارات من الزرعة، وتنقل إلى السحابة. حيث يمكن للأطباء تحليلها آنيًا. ما يسمح بالتدخل المُبكر قبل حدوث مُضاعفات خطيرة.
ويستخدم فريق Alavi أيضًا الذكاء الاصطناعي التوليدي لصنع زرعة مخصوصة لكل مريض بما يتناسب مع حالته. حيث يعلق Alavi قائلا: “يمكننا مسح العمود الفقري للمريض، ثم تصميم وطباعة القفص ليناسب تمامًا. لا تتكيف هذه الأقفاص المصنوعة من مواد فائقة الجودة مع كل مريض فحسب، بل تُولّد أيضًا طاقتها الخاصة”.
اختبر الفريق الأجهزة في المختبر، وأكد نجاح الفكرة. وبتمويل من المعاهد الوطنية للصحة، ستشمل المرحلة التالية تجارب على الحيوانات الحية. وصرح Agarwal: “إذا نجحت، فالخطوة التالية هي الاختبار على البشر”.
وأضاف: “من خلال دمج الخبرة السريرية والميدانية، لدينا فرصة أفضل لتطبيق العلم على المرضى وتحسين السلامة والنتائج”.

















