يشهد العالم تحولًا هائلًا بفضل الذكاء الاصطناعي، الذي يلعب دورًا كبيرًا في الاقتصاد والتعليم والرعاية الصحية. لكن مع كل هذه المزايا، تبرز أيضًا مشاكل جديدة تؤثر على العدالة والحقوق، وخاصةً للنساء في عالمنا الرقمي اليوم، وهنا تظهر الخوارزميات المتحيزة وتتزايد التساؤلات؛ هل القانون جاهز لحماية المرأة في عصر الذكاء الاصطناعي؟
“الخوارزميات المتحيزة”
يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة النساء من خلال توفير فرص عمل جديدة ودعم تقدمهن. إلا أنه ينطوي أيضًا على مخاطر مثل المعاملة غير العادلة، وفقدان الخصوصية، والإساءة عبر الإنترنت، وإساءة استخدام البيانات والصور الشخصية.
أولًا: القضايا القانونية والأخلاقية في حماية المرأة
إحدى المشكلات الكبرى هي أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تكون غير عادلة. فهي تستخدم بيانات قديمة ربما تكون قد عاملت النساء بشكل غير عادل. ما قد يؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص في العمل أو الدراسة أو الحصول على القروض.
ومن المشكلات الرئيسة التي تواجهها فقدان الخصوصية حيث اتضحت هذه المشكلة مع تزايد استخدام الناس لأدوات مثل الكاميرات والتعرف على الوجوه وجمع البيانات، يتزايد خطر سرقة المعلومات الشخصية دون إذن.
ومن المخاطر الجديدة العنف الرقمي المدعوم بالذكاء الاصطناعي؛ مثل التزييف العميق. هذه صور أو مقاطع فيديو مزيفة من إنتاج الذكاء الاصطناعي. قد تؤذي النساء بنشر الأكاذيب أو تهديدهن. ما يسبب ضررًا عاطفيًا واجتماعيًا حقيقيًا يصعب إصلاحه.
ثانيًا: الحاجة إلى قوانين جديدة
القوانين القديمة لا تكفي للتعامل مع هذه الأنواع الجديدة من المشاكل؛ لأنها وضعت قبل انتشار الذكاء الاصطناعي. لذا، تحتاج الدول إلى وضع قواعد جديدة تحاسب شركات التكنولوجيا. يجب أن تلزم هذه القواعد الشركات بشرح كيفية عمل الذكاء الاصطناعي الخاص بها، وتعاقبها إذا استخدمته بطريقة ضارة؛ مثل نشر التحيز أو المحتوى المُزيف.
واتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات من خلال قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي، الذي يحد من استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي الخطرة، ويطلب من الشركات أن تكون منفتحة بشأن كيفية استخدامها للذكاء الاصطناعي.
في دول البريكس؛ ، مثل البرازيل والصين والهند، توجد قوانين لحماية الاستقلال الرقمي ومنع الشركات من جمع البيانات الشخصية دون إذن. في مصر، توجد قوانين مهمة مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية (رقم 175 لسنة 2018) وقانون حماية البيانات الشخصية (رقم 151 لسنة 2020).
تعتبر هذه بدايات جيدة، ولكنها تحتاج إلى التحديث لمواكبة التكنولوجيا سريعة النمو والتعامل مع القضايا الجديدة مثل التزييف العميق أو القرارات غير العادلة التي تتخذها الذكاء الاصطناعي.
ثالثًا: من الحماية القانونية إلى التمكين الرقمي
القوانين وحدها لا تكفي. الحماية الحقيقية لحقوق المرأة تبدأ بمنحها القدرة على استخدام التكنولوجيا بأمان وتوفير فرص متساوية لها في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات والأمن السيبراني.
كما تشمل بعض الأفكار العملية في هذا المجال ما يلي:
تصميم أدوات وتطبيقات رقمية تعلّم النساء حقوقهن في عالم الإنترنت.
إنشاء مراكز وطنية تتحقق من الخوارزميات بحثًا عن أي معاملة غير عادلة للنساء قبل استخدام هذه الأنظمة من قِبل الجمهور.
مساعدة النساء على الريادة في مجال التكنولوجيا من خلال الدعم المالي وبرامج التدريب في البرمجة والتحليل والابتكار.
رابعًا: نحو إطار عالمي عادل
إن مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي لحقوق المرأة تتطلب من الدول العمل معًا، وتبادل المعرفة، ووضع قواعد مشتركة تضمن العدالة والانفتاح.
كما يجب أن تكون النساء جزءًا من عملية وضع سياسات وقوانين التكنولوجيا، بحيث توضع هذه القواعد مع مراعاة تجاربهن واحتياجاتهن الحقيقية.
وختامًا: الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للمرأة؛ يمكن أن يكون هذا الدعم الأكبر لهن إذا استرشد بقواعد أخلاقية وقانونية عادلة.
المشكلة الحقيقية ليست في التكنولوجيا نفسها؛ بل في غياب العدالة وفهم كيفية استخدامها. تمكين المرأة وحماية حقوقها الرقمية ليس مجرد مكافأة قانونية؛ بل هو خطوة ضرورية للمجتمع لضمان أن الثورة الصناعية الرابعة تحقق العدالة والمساواة، لا التمييز والإقصاء.
بقلم: الدكتورة/ دعاء محيي الدين مدرس الذكاء الاصطناعي بكلية الحاسبات والمعلومات الجامعة المصرية الصينية

















