هل يصبح “الذكاء الاصطناعي” آخر اختراعات البشرية؟

يتبنى العديد من الأشخاص فكرة أن “الذكاء الاصطناعي” قد يستحوذ ويسيطر على الإنسانية بأسرها في حقبة زمنية ما، في حين يعتقد البعض الآخر أننا بعيدون كل البعد عن تحقيق أي شيء يضاهي أو حتى قريب من الذكاء البشري، إلا أنه وبوجه عام قد يكون مستقبل مثل هذه التكنولوجيا إما مشرقًا أو مقلقًا ومثيرًا للجدل؛ وذلك اعتمادًا على ما يدور عنه الحديث، وحول هذا، كتب “جيمس بارات”؛ مؤخرًا، كتابًا تناول فيه المنظور المحتمل والمروع “للذكاء الاصطناعي”. 

وكان “بارات”؛ مؤلف كتاب “اختراعنا النهائي: الذكاء الاصطناعي ونهاية عصر الإنسان“، شارك في “بودكاست” حديث له رؤيته الكاملة لمحتوى كتابه؛ وأشار إلى أن مثل هذه التكنولوجيا بدأت في اختراق جميع أنواع تفاعلات البشر الشخصية، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، بدءًا من الروبوتات الذكية ووصولًا إلى تقنية التعرف على الوجه، وعلى الرغم من أننا ربما نكون حققنا الرؤى الكبرى لنظام ذكاء واحد قادر على تعلم أي مهمة وتنفيذها، وهو ما أُطلق عليه “الذكاء الاصطناعي العام” (AGI)، فإننا أصبحنا نحيا في عالم يستخدم فيه الشخص العادي “الذكاء الاصطناعي” بصورة يومية وبشكل متزايد يومًا تلو الآخر. 

ومع هذا التزايد المفاجئ في استخدام “الذكاء الاصطناعي” بدأ العديدون في طرح الكثير من علامات الاستفهام حول مدى أمان هذه التكنولوجيا على واقعهم، وبالرغم من أن “الذكاء الاصطناعي” يمكن أن يقدم في كثير من الحالات فوائد كبيرة كالتعلم الآلي على سبيل المثال لا الحصر، إلا أن هناك العديد من الأسباب التي تدعو للقلق، خاصة وإن تطرقنا لأنظمة “الذكاء الاصطناعي” التي تحمل بين طياتها جوانب سيئة.

نظرة المجتمع للذكاء الاصطناعي

وتطرق “جيمس بارات”؛ في كتابه، إلى المقابلات التي أجراها مع نخبة متنوعة من الخبراء في مختلف مجالات التكنولوجيا، وعلى رأسهم “إليعيزر يودكوسكي” الباحث في الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى “راي كورزويل” عالم تكنولوجيا المستقبل الشهير، كما تضمنت مصادره قائمة طويلة من الأسماء الكبيرة اللامعة، لكن الأكثر إثارةً وشغفًا هو أن كل من هؤلاء الخبراء كان لديه شيء مختلف يسرده بشكل لا يُصدق عن تلك التقنية، وكيف قد يبدو شكل المستقبل مع مثل هذه التكنولوجيا، فعلى سبيل المثال، يعتقد أحد هؤلاء الخبراء أنه سيتم الكشف عن تكنولوجيا “الذكاء الاصطناعي العام” (AGI) في وقت ما في عام ٢٠٣٠ تقريبًا، ورغم أن “بارات” انتهى من كتابة مؤلفه في عام ٢٠١٣، إلا أننا وحتى وقتنا الراهن ومع دخولنا في عشرينيات القرن العشرين قد يكون من المثير أن نعتقد أننا وبالفعل على أعتاب مثل تلك التكنولوجيا، ولا توجد طريقة مؤكدة حقًا لمعرفة متى سنصل إلى مثل هذه التكنولوجيا المعروفة بالذكاء الاصطناعي رغم كل هذا التقدم البشري أو حتى كيف ستبدو.

كما تناول “بارات” وجهة نظره حول مفهوم “الابتكارات الكبرى”، والتي من خلاله يمكن أن يقودنا إلى فهم أشمل “للذكاء الاصطناعي”، وأن الحقيقة تتجلى في كون هذه التقنية كغيرها من التقنيات تمامًا، وكلما تم استثمار المزيد من المال والجهد في مثل هذا المجال من قِبل الشركات الكبرى والحكومات والمؤسسات البحثية التي تعمل على تطويره، زادت احتمالية أن نرى دفعة كبيرة ستقودنا إلى الأمام نحو مستقبل “الذكاء الاصطناعي”.

والنتيجة الحتمية -كما أشار لها “بارات”- هي أن “الذكاء الاصطناعي” يجد في الوقت الراهن العديد من التطبيقات أكثر مما كانت عليه في الماضي، وهو ما يعني أن البشرية قد تكون قريبة جدًا من الحاجة لإيجاد طُرق لتنظيم استخدام “الذكاء الاصطناعي” وتطبيقه، ولكن العقبة التي تواجهننا هي أنه وببساطة لا توجد وسيلة حقيقية للتحكم في الطريقة التي سيتم بها اعتماد وتطبيق مثل تلك التكنولوجيا بالضبط، ويعتقد “بارات” أن تكنولوجيا “الذكاء الاصطناعي” يمكن أن تساعدنا في حل بعض المشاكل المدهشة حقًا، وطرح في كتابه فكرة أننا قد نكون قادرين على إيجاد حلول للمشاكل التي تعصف بنا حاليًا بطريقة يمكن أن تغير حقًا حياة البشرية بأسرها، فقد يكون استخدام “الذكاء الاصطناعي” قادرًا على إيصالنا إلى عالم يمكننا خلاله معالجة قضايا تغير المناخ أو إنشاء دواء أفضل، إنها أداة لديها القدرة على فعل الكثير من الخير اعتمادًا على من يمتلكها وكيف سيتم استخدامها.

المخاوف من “الذكاء الاصطناعي”

وشارك “بارات” رأيه بأن أحد أكبر المخاوف من “الذكاء الاصطناعي” هي احتمالية أن ينتهي به المطاف في الأيادي الخاطئة، فقد يؤدي امتلاك هذا النوع من التكنولوجيا وبسهولة إلى نتائج ضارة اعتمادًا على من يمتلكها أو من يسيطر عليها أولًا -على حد تعبيره- أسوة بالانشطار النووي وكيف كانت إمكاناته إيجابية وهائلة، إلا أن التكنولوجيا الخاصة به انتهت في نهاية المطاف لإنتاج أسلحة خطيرة وكارثية بشكل لا يُصدق من قِبل بعض الحكومات التي استخدمتها كتهديد وليس من أجل إحلال السلام. 

واستكمل “بارات” حديثه قائلًا إن بعض الشركات تسعى لفرض هيمنتها على “الذكاء الاصطناعي” وإبقاء العالم في وضع حرج، ومع ذلك، سيسعى هذا النوع الخطأ من الأشخاص إلى الحصول على معلومات يمكنهم استخدامها لتنفيذ خططهم المشينة الخاصة بهم، لا سيما أن كل شيء يمكن استغلاله كسلاح ذي حدين، حتى وإن كان الذكاء الاصطناعي”، لذا نأمل إلى حد كبير في أن يلعب الجميع به بشكل جيد.

وشدد على ضرورة مراجعة التاريخ والاستفادة من دروسه، منوهًا بأنه وببساطة لا توجد حتى الآن طُرق كافية توضح كيفية الإدارة للحيلولة دون امتلاك أيادٍ سيئة لمثل هذه التكنولوجيا، وحتى لا ينتهي بنا المطاف نحو مستقبل بائس تسيطر فيه فئة على أنظمة “الذكاء الاصطناعي” ومن ثم تفرض سطوتها على الحياة البشرية بأسرها، وهي من النتائج المحتملة الأكثر خطورة، ويستوي إن كان من فعل ذلك إحدى الحكومات أو الشركات أو حتى أحد الأشخاص المجرمين الذين يسعون جاهدين لاختراق “الذكاء الاصطناعي العام” (AGI) واستخدامه بعد ذلك للتحكم في أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى؛ وتكمن المشكلة في أن هذه التكنولوجيا أكبر من أن يتم تنظيمها فحسب، كما أنه من المستحيل آنذاك أن يتم إيقافها، فمن منا يستطيع سحب القابس من على الإنترنت في عصرنا الحالي. 

واستطرد “بارات”: سيكون من المستحيل حينها أيضًا سحب القابس على نظام ذكاء اصطناعي قوي؛ نظرًا لاستثمار عدد كبير من الأشخاص واهتمامهم بنمو “الذكاء الاصطناعي”، كما أنه سيكون من المستحيل تقريبًا فرض أي نوع من القيود على مثل تلك التكنولوجيا؛ لذا يتعين علينا -على حد زعم “بارات”- ضمان استمرار نمو هذه التكنولوجيا واعتمادها وحمايتها.

واختتم “بارات” سطور كتابه مشيرًا إلى أن تطور “الذكاء الاصطناعي” واستخدامه سينمو مع الوقت تلقائيًا، ولكن لا أحد لديه أدنى فكرة عن المحاولات المستترة لاختراقه وكيف ستبدو، وبينما نواصل استكشاف هذه التكنولوجيا سيحدد الوقت فقط كيف سنتمكن من السيطرة عليها وإبعادها عن الأيادي التي تنشد اختراقها للسيطرة عليها، ولكن هل سيكون “الذكاء الاصطناعي” آخر ما تنجبه اختراعات البشرية؟ كل ما يمكننا فعله في الوقت الراهن هو البقاء عن كثب وعلى علم، مع التحفظ على استمرارية المناقشات الدائمة حول مستقبل تطور تلك التكنولوجيا “الذكاء الاصطناعي”.

المصدر:

Forbes: Is AI Our Final Invention?

الرابط المختصر :
اترك رد