بعد الفيروس الصيني الجديد.. هل يحدد الذكاء الاصطناعي مستقبل الفيروسات؟

كوفيد-19
كوفيد-19

أثار تفشي فيروس كورونا تساؤلات جوهرية حول مستقبل مكافحة الأمراض الفيروسية. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يمنحنا نظرة ثاقبة في تطور الفيروسات؟ يسعى العلماء جاهدين لتطوير أدوات ذكية قادرة على التنبؤ بتحورات الفيروسات بناءً على تسلسلها الجيني. ما قد يمثل نقلة نوعية في مجال الطب الوقائي. وعلى الرغم من أن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال، إلا أن البحوث الحالية. التي تستهدف فيروسات مثل كورونا والإنفلونزا، تظهر تقدمًا واعدًا في هذا الاتجاه.

تحور الفيروسات

 

كما تتميز الفيروسات، وخاصة تلك التي تحمل حمضًا نوويًا ريبوزيًا (RNA)، بقدرة فائقة على التغير والتطور. إذ تتراكم الطفرات في مادتها الوراثية بشكل مستمر؛ ما يؤدي إلى ظهور سلالات جديدة. هذا التغير المستمر يجعل من الصعب مكافحتها، حيث قد تكتسب الفيروسات القدرة على مقاومة الأدوية واللقاحات.
لذلك، يسعى الباحثون جاهدين لفهم آليات هذا التحور، وتطوير استراتيجيات جديدة لمكافحة الفيروسات. مثل تصميم لقاحات وعلاجات قادرة على مواكبة هذه التغيرات المستمرة.

الذكاء الاصطناعي ومقاومة الفيروسات

حتى الآن، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي التنبؤ بالطفرات الفردية الأكثر ترجيحا في الفيروس، والمتغيرات المتوقعة في الأمد القريب. لكنها لا تزال بعيدة عن القدرة على التنبؤ بمجموعة الطفرات أو المتغيرات التي تحدث بعد فترة طويلة في المستقبل.

من جانبه قال Brian Hie، عالم الأحياء الحاسوبية في جامعة Stanford في كاليفورنيا: “إنها منطقة بحثية مثيرة ومفيدة جدًا من حيث التطبيقات”. وأضاف: “لكن الى الان لا يزال  التنبؤ بالتطور الفيروسي يمثل تحديًا كبيرًا” .

يذكر أن Hie كان من بين أوائل الباحثين الذين طبقوا نماذج لغوية كبيرة لدراسة الطفرات الفيروسية.

طفرات مستقبلية

أجرى العلماء تجارب معملية عديدة في الماضي. وامتازت تلك التجارب بأنها كانت تجارب شاقة في التنفيذ وتستغرق وقتًا طويلًا.

لذا طورت بعض المجموعات البحثية تجارب للتحقق من كيفية تأثير الطفرات الفردية على قدرة الفيروس على الإفلات من الكشف بواسطة مجموعة من الأجسام المضادة. مكنت تلك التجارب من تفسير قدرًا كبيرًا من التطور الفيروسي، ولكن مازال الكثير منها غامضًا.

في هذا السياق قال David Robertson، عالم الفيروسات في جامعة Glasgow بالمملكة المتحدة.: “إن وصول أدوات التنبؤ ببنية البروتين القائمة على نماذج الذكاء الاصطناعي مكن من القيام بتغيرات جذرية في  هذا المجال”. ومن  أمثلة تلك النماذج، نموذج AlphaFold، التي أنشأتها شركة DeepMind للذكاء الاصطناعي. كما إن هناك نماذج مثل ESM-2 وESMFold وكلاهما من إنتاج Meta الشهيرة.

لقاحات كوفيد

تدريب النماذج على التنبؤ

كما تتطلب نماذج الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من البيانات لتكون قادرة على التنبؤ بالتطور الفيروسي. إذ يقول Jumpei Ito، عالم المعلومات الحيوية في جامعة طوكيو،: “إن التسلسل الشامل لفيروس SARS-CoV-2، الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19، جعل هذا ممكنًا. حيث يمتلك الباحثون الآن نحو 17 مليون تسلسل جيني يمكنهم استخدامها لتدريب نماذجهم”.

كما أن هناك نموذج، يسمى EVEscape، الذي طورته Debora Marks في كلية الطب بجامعة هارفارد وفريقها، لتصميم 83 نسخة محتملة من بروتين  SARS-CoV-2 spike protein. ومن المعروف أن الفيروس يستخدم تلك البروتينات التي على شكل أشواك لإصابة الخلايا. كما يمكن للفيروس إذا امتلك أي نسخة من تلك البروتينات أن يتجنب الأجسام المضادة التي ينتجها الأشخاص الذين تم تطعيمهم أو إصابتهم بنسخ منتشرة من الفيروس حاليًا. ما قد ينتج عنه إنتشارًا أوسع للفيروس وزيادة نسبة الإصابة. كما يمكن استخدام نسخ البروتين لتصميم واختبار فعالية لقاحات COVID-19 المستقبلية.

تحليل معدلات الانتشار

كما تركز مجموعة Ito على صفة أخري للفيروسات وهي القدرة على الانتشار بسرعة في مجموعة سكانية. حيث استخدم العلماء ESM-2 لإنشاء نموذج يسمى CoVFit، والذي يمكنه التنبؤ بمعدلات انتشار النسبية لمتحورات  SARS-CoV-2.

يذكر أنه جرى تدريب CoVFit على 13643 طفرة من بروتين SARS-CoV-2 spike protein. كما استخدم أيضًا بيانات تجريبية حول كيفية تأثير الطفرات الفردية على قدرة الفيروس على التهرب من الأجسام المضادة.

هناك حاجة إلى المزيد من البيانات حيث يتوقع العلماء إنه لتحسين دقة نماذج الذكاء الاصطناعي، يحتاج الباحثون إلى أكثر من 5 سنوات من البيانات حول تطور الفيروس.

تغيرات سريعة

وتبقي المعضلة أنه إذا تغير بروتين الهيماجلوتينين في الإنفلونزا (ما يعادله من بروتين spike) بدرجة كافية، فانه قد  لا يتم التعرف عليه من خلال الاستجابة المناعية للجسم. لذا يحتاج صانعو اللقاحات في العالم إلى تعديل لقاحات الإنفلونزا للموسم المقبل وفقًا للتغيرات التى طرأت على الفيروس نفسه.

ويحاول العلماء إيجاد طرق لاستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم هذه المسارات التطورية الشاسعة بشكل أفضل وتحديد حدودها. حيث وجد الفريق أنه إذا أعطوا نموذج  ESM-2 تسلسلًا واحدًا من البروتينات الشوكية. يمكنه تحديد المناطق التي يمكن أن تحدث فيها تغييرات. كما حدد أيضًا كيف تؤثر تلك  التغييرات على مناطق أخرى من البروتين.

الرابط المختصر :