هل تُغيّر الأجهزة الرقمية أدمغتنا؟

 

قبل عشر سنوات نشر الكاتب التكنولوجي نيكولاس كار؛ مقالًا بعنوان “هل تجعلنا Google أغبياء؟”، وكان يشك بشدة في أن الإجابة “نعم”، فهو نفسه أقل قدرة على التركيز وتذكر الأشياء أو استيعاب أكثر من بضع صفحات من النص، واتهم الإنترنت بتغيير أدمغة الناس بشكل جذري. وهذه مجرد واحدة من التهم الموجهة ضد الإنترنت والأجهزة المختلفة التي نستخدمها، بما في ذلك الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية وأجهزة الألعاب وأجهزة الكمبيوتر المحمولة.

 

وغالبًا ما تستهدف الشكاوى ألعاب الفيديو التي تنطوي على قتال أو حرب، بحجة أنها تتسبب في أن يصبح اللاعبون عنيفين.

 

لكن الأجهزة الرقمية لديها مدافعون شغوفون، لا سيما مروجي ألعاب تدريب الدماغ الذين يزعمون أن عروضهم يمكن أن تساعد في تحسين الانتباه والذاكرة وردود الفعل.

 

من على حق؟

 

أظهرت نتائج علماء الأعصاب أن الدماغ أكثر ليونة مما كان يُفهم سابقًا، بعبارة أخرى: لديها القدرة على إعادة برمجة نفسها بمرور الوقت؛ ما قد يفسر تأثير الإنترنت فيها.

 

 

سبب الغباء

 

من أين أتت فكرة أننا أصبحنا “أغبياء”؟ إنها مستمدة جزئيًا من معرفة أن الأجهزة الرقمية تجذب انتباهنا؛ حيث يمكن لرسالة من صديق أو حكاية يتم مشاركتها على الشبكات الاجتماعية أو ترويج مبيعات على موقع على الإنترنت أن تكون بمثابة متعة للعقل البشري.

ويمكن أن تجذبنا الرغبة في مثل هذه “المكافآت” إلى شاشاتنا بشكل متكرر وبعيدًا عن الأشياء الأخرى التي يجب أن نركز عليها.

وقد يشعر الناس بالإرهاق بسبب المدخلات المستمرة، لكن يعتقد البعض أنهم أصبحوا متعددي المهام: يتخيلون أنهم يستطيعون التنقل باستمرار ذهابًا وإيابًا بين Twitter والعمل، حتى أثناء القيادة، دون فقدان  الكفاءة.

 

لكن مجموعة من الأبحاث تؤكد أن هذا الانطباع مجرد وهم، فعندما يحاول الأفراد القيام بأمرين أو أكثر في وقت واحد والتي تتطلب انتباههم فإن أداءهم يتأثر. علاوة على ذلك في عام 2013 أظهر ستيفان أماتو؛ من جامعة إيكس مرسيليا في فرنسا، وزملاؤه أن تصفح صفحات الويب يجعل الناس عرضة لشكل من أشكال التحيز المعرفي المعروف باسم “تأثير الأسبقية”.

 

والتدريب لا يحسن القدرة على تعدد المهام، ففي عام 2009 اكتشف إيال أوفير وزملاؤه أن تعدد المهام على الإنترنت يجعل المستخدمين أقل فعالية في التحول من مهمة إلى أخرى، وأقل قدرة على تخصيص انتباههم وأكثر عرضة للإلهاءات. وبالتالي من غير المرجح أن يطور حتى أفراد الجيل “الرقمي الأصلي” السيطرة المعرفية اللازمة لتقسيم وقتهم بين عدة مهام أو للتبديل الفوري من نشاط إلى آخر. بعبارة أخرى: فإن تعدد المهام الرقمية لا تفعل أكثر من إنتاج وهم خطير للكفاءة.

 

والخبر السار هو أنك لست بحاجة إلى إعادة أسلاك دماغك للحفاظ على مدى انتباهك، ويمكنك مساعدة نفسك بالتفكير في أكثر الأشياء التي تشتت انتباهك وبتطوير استراتيجيات لتحصين نفسك ضد تلك المشتتات. وسوف تحتاج إلى ممارسة بعض ضبط النفس: لا تستطيع مقاومة إشعارات Facebook؟ أوقف تشغيلها أثناء عملك. هل تميل إلى لعب لعبة فيديو صغيرة؟ لا تترك جهازك حيث يمكنك رؤيته أو في متناول اليد.

 

دليل على العدوان

 

ماذا عن تهمة أن ألعاب الفيديو تزيد من العدوانية؟ تقارير متعددة تدعم هذا الرأي. وفي مراجعة للدراسات المنشورة عام 2015 خلصت الجمعية الأمريكية لعلم النفس إلى أن ممارسة ألعاب الفيديو العنيفة تبرز الأفكار والمشاعر والسلوك العدواني بينما تقلل من التعاطف مع الضحايا. ويأتي ذلك الاستنتاج من  الأبحاث المختبرية وتتبع مجموعات اللاعبين عبر الإنترنت. وفي حالة اللاعبين فكلما لعبوا ألعابًا عنيفة كان سلوكهم أكثر عدوانية.

 وتكافح دراسات اللاعبين لفهم العلاقة السببية: هل تجعل ألعاب الفيديو الناس أكثر عنفًا؟ أم أن الأشخاص الذين لديهم مزاج عدواني بشكل أساسي يميلون إلى ممارسة ألعاب الفيديو؟

وبالتالي هناك حاجة إلى مزيد من البحث؛ ما يتطلب مزيجًا من الاختلافات.

 

هل تُحسّن الألعاب الانتباه؟

 

تزعم بعض  الدراسات أن ألعاب الفيديو يمكن أن تحسن وقت رد الفعل ومدة الانتباه والذاكرة العاملة.

قد تكون ألعاب الحركة الديناميكية والجذابة  فعالة بشكل خاص؛ حيث يتعلم اللاعبون التفاعل بسرعة، والتركيز على المعلومات ذات الصلة والتذكر. وفي عام 2014 درست كارا بلاكر؛ من جامعة جونز هوبكنز وزملاؤها، تأثير ألعاب سلسلة Call of Duty _حيث يتحكم اللاعبون في الجنود_ في الذاكرة العاملة المرئية (الذاكرة قصيرة المدى). ووجد الباحثون أن 30 ساعة من اللعب حسنت هذه السعة.

 

 

المصدر

الرابط المختصر :
اترك رد