سيبدو الأمر غريبًا إذا أخبرناك أن اكتشاف الفضاء له علاقة بالمكرونة السباغيتي، وكأنك تشاهد إحدى حلقات برنامج Science Of Stupid.
برنامج Science Of Stupid وتبسيط العلوم
فأول ما يتبادر للذهن أن العلوم عامة والفيزياء خاصة تهتم باكتشاف الكون. ولكن الفيزياء تهتم أيضًا بمشكلات قد يراها غير المختصين عادية جدًا، بل لم تخطر على بالهم من الأساس مثل المكرونة السباغيتي.
اكتشاف الفضاء والمكرونة السباغيتي
يمكن رؤية ذلك جليًا في علوم دراسة المكرونة السباغيتي. فمنذ ما لا يقل عن قرن من الزمان. كانت المكرونة السباغيتي موضوع دراسات دقيقة للفيزيائيين.
وواصل الفيزيائيون تعلم أشياء جديدة عن الحالة الصلبة للمادة، وكيمياء الغذاء. كما يسهم هذا السيل المتواصل من علوم السباغيتي في إثبات أن هناك الكثير من الأسئلةً العلمية العميقة الكامنة في حياتنا اليومية.
وصفات السباغيتي متوارثة
هناك العديد من أنواع السباغيتي في العالم لا سيما في إيطاليا أرض المكرونات بلا منازع. ومن الممكن تصنيف السباغيتي علي أساس السمك؛ حيث بلغ سمك خصْلَة واحدة من السباغيتي ما بين واحد إلى اثنين مليمتر.
لكن أنواعًا أخرى من المكرونة الطويلة تتفاوت في قطرها بشكل كبير، فهناك نوع يسمي Udon يصل قطره إلى 4 مم. بينما يصل قطر الشعيرية 0.8 مم.
وتسمى أرق الخيوط المصنوعة يدويًا “Su filindeu”، ويبلغ سمكها 0.4 مم، وهي رفيعة جدًا لدرجة أن قلة من النساء في إيطاليا، يعرفن كيفية صنعها. وعلى الرغم من صعوبة صناعة هذا النوع فإنه يستخدم في أعداد أطباق على مدار 200 عام مضت.
وفي هذا السياق طرح فريق من الباحثين في كلية College London تساؤلًا عما إذا كانت معدات مختبرات القرن الحادي والعشرين قادرة على تقديم أداء أفضل. حيث استخدم الفريق تقنية تسمى “الغزل الكهربائي” لصناعة السباغيتي من نوع Su filindeu في المختبر.
علوم المكرونة السباغيتي لدراسة بدائل للخيوط الطبية
لصناعة السباغيتي المطلوب في المعمل قام الفريق بإذابة الدقيق في محلول خاص مشحون كهربائيًا. ومن ثم وضع العجين في حقنة مناسبة. ثم وضعوا الحقنة فوق صفيحة خاصة مشحونة كهربائيًا.
تقول Beatrice Britton؛ المؤلفة الرئيسية للدراسة: “يؤدي هذا إلى سحب المحلول عبر إبرة الموزع نحو صفيحة التجميع بشكل خيطي يشبه المعكرونة. عندما جفّ المحلول، حصل الباحثون على خيط متقاطع من معكرونة سباغيتي رقيقة للغاية.
تقول Britton: “بالعين المجردة، كل ما تراه هو نوع من رقائق اللازانيا. لكن باستخدام مجهر قوي، يظهر سطح مصنوع من خيوط يصل سمكها إلى 0.1 مم. هذه المعكرونة أكثر صلابة بكثير من السباغيتي العادي”.
تأمل Britton وزملاؤها أن يكون بحثهم خطوة نحو بدائل قابلة للتحلل الحيوي للألياف النانوية البلاستيكية. والتي تستخدم الآن لتصفية السوائل وعلاج الجروح.
أسئلة قد تكون غريبة ولكنها مهمة
مثل النجاح في هذه التجربة أرق مكرونة في العالم. ولكن استخدام الفيزيائيين لأدواتهم في دراسة المكرونة ليس بالأمر الجديد.
ففي عام ١٩٤٩. طرح الفيزيائي George F Carrier من جامعة Brown “مشكلة السباغيتي” في مجلة “The American Mathematical Monthly”. والتي اعتبرها ذات أهمية شعبية وأكاديمية كبيرة، وتتمثل المشكلة في جوهرها في سؤال غريب: “لماذا لا أستطيع أن أتناول خصلة من السباغيتي دون أن تلطخ وجهي بالصلصة؟”.
وبعد نمذجة خيوط المكرونة رياضيًا. أظهرت معادلاته كيف يتأرجح الخيط الموجود خارج الفم بعنف أكبر كلما قصر أكثر فأكثر. كما يضمن هذا التأرجح في النهاية صفعة من المعكرونة على شفتي من يرتشفها و لم تقدم الدراسة الرياضية أي سبيل لتجنب حدوث هذه الصفعة. حيث استخلص Carrier أن تلك الصفعة حتمية لا محالة.
عمالقة الفيزياء والمكرونة السباغيتي
ساهم الفيزيائي الأمريكي الكبير Richard Feynman. الذي عاش في منتصف القرن العشرين. في كشف ألغاز ميكانيكا الكم. شارحًا كيفية تفاعل الجسيمات الأولية التي تكوّن الذرات مع بعضها البعض. إلا أن مساهمة Feynman الهائلة في فيزياء السباغيتي لا تزال أقل شهرة.
ففي إحدى الليالي، تساءل Feynman عن سر استحالة كسر عود سباغيتي إلى قطعتين بدلًا من ثلاث. حيث قضى هو وزميله بقية المساء في كسر أعواد السباغيتي حتى غطّت أرضية المطبخ.
أثار بحث Feynman في الفيزياء غير البديهية للسباغيتي الجاف ربع قرن من المحاولات لتفسيرها. وحدث هذا أخيرًا في عام ٢٠٠٥، عندما أظهر باحثان فرنسيان أن السباغيتي تنكسر دائمًا إلى قطعتين في البداية. ولكن بعد الكسر، ومع استقامة القطعتين المثنيتين مجددًا، يطلق كل إجهادهما المكبوت في موجة صدمة؛ ما يتسبب في مزيد من التشقق.
في عام ٢٠١٨، اكتشف فريق من علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا “MIT” كيفية التخلص من موجة الصدمة تلك باقتراح لفّ خيط السباغيتي برفق قبل كسره. تطلبت طريقتهم معدات مختبرية.
لكنها أنتجت بشكل موثوق زوجًا مثاليًا من الشظايا. قدّم عملهم فهمًا جديدًا وأعمق للقضبان الهشة يتجاوز السباغيتي؛ فظاهرة الكسر الثلاثي معروفة جيدًا لدى لاعبي القفز بالزنة، على سبيل المثال.
فيزياء جميلة في برنامج Science Of Stupid
يستفز الكثير من الايطاليين عند كسر حزمة من السباغيتي المجففة إلى نصفين قبل وضعها في الماء المغلي. حتى تتسع أفقيًا في القدر. فإذا كان هذا يسير استياءك يمكنك وضع حزمة السباغيتي المجففة في قدر الماء المغلي. ثم مشاهدتها وهي تلين ببطء، ثم تنثني، ثم تغمر نفسها في الماء.
قد لا يبدو هذا السلوك المألوف لغزًا، ولكن جرّب إخراج قطعة سباغيتي ملفوفة حديثًا من القدر واتركها تجف. ستبقى منحنية بدلًا من أن تعود إلى طولها المستقيم الأصلي.
ففي عام ٢٠٢٠، فسّر فيزيائيان أخيرًا عملية تحول السباغيتي هذه. حيث يعود هذا السلوك إلي خاصية “اللزوجة المرنة”. وهو اسم للطريقة الفريدة التي تستجيب بها مواد مثل السباغيتي للإجهاد الفيزيائي. تسمح هذه الخاصية الخاصة للماء بالتدفق عبر الطبقات الخارجية للخيط.
تتجاوز الطرق الغريبة لطهي السباغيتي حدودها. ففي إحدى الدراسات، أسقط العلماء خيوطًا من السباغيتي على الأرض. وقاسوا كيفية لفها للتعرف على مواد مرنة أخرى، من الحبال إلى خيوط الحمض النووي. وفي دراسة أخرى، ربط فيزيائيون السباغيتي في عقد ودرسوا أنواع الإجهاد التي قد تُسبب تمزّقها.
فإن كنت من حبي السباغيتي فتذكر في المرة القادة وأنت تتناولها بأنها منجم للأبحاث العلمية المبهرة في صورة طبق للغداء.