يعد تلسكوب “جيمس ويب” واحدًا من أدق التلسكوبات الكونية التي صنعها الإنسان حتى الآن؛ حيث يمتلك مرآة عملاقة يصل قطرها إلى 6.5 متر، أكبر من مرآة تلسكوب “هابل” التي يبلغ قطرها 2.4 متر.
ويمتاز تلسكوب “جيمس ويب” بامتلاكه مطياف الأشعة تحت الحمراء والكاميرات الحساسة التي تعمل في مجال الأشعة تحت الحمراء.
مجتمعة تمكن تلك الإمكانات تلسكوب “جيمس ويب” من رؤية ودراسة المجرات البعيدة بتفاصيل أدق. كما تمكنه من دراسة المجرات التي كانت موجودة في بدايات الكون، والمجرات التي قد تحجبها الأتربة الكونية عن التلسكوبات الأخرى مثل تلسكوب هابل.
بداية الكون
كل ما في الكون من ظواهر وحتي قوانين الديناميكا الحرارية تؤكد أن للكون بداية. ويتفق معظم العلماء الآن على أن الكون بدأ بحدث عظيم يسمى الانفجار العظيم. وهذا هو جوهر النظرية التي تشرح هذا الحدث العظيم وتحمل نفس الاسم Big Bang Theory.
تنص نظرية الانفجار العظيم على “أنه منذ ما يربو على 13.8 مليار سنة، كانت هناك نقطة صغيرة جدًا وساخنة للغاية. في هذا في الماضي السحيق؛ احتوت تلك النقطة على كل مادة الكون الحالي. ثم تباعدت المادة المتكدسة في تلك النقطة وأخذت في التمدد حتى وصلت إلى حجم الكون.
في خلال ذلك التسارع تكونت البروتونات والإلكترونات والنيوترونات منفردة ثم الذرات فالنجوم فالمجرات مع التوسع في رقعة الكون. وتمايزت تلك الفترات عن بعضها البعض وتباعدت بمليارات السنين. ومع ذلك كانت هناك محطات مهمة في عملية تمدد الكون وبروده.
خلفية الإشعاع الكوني
من أهم تلك المحطات، الحقبة التي اتحدت فيها البروتونات والنيوترونات والإلكترونات لتكون الذرات. بدأت تلك الحقبة بعد مرور حوالى 38 ألف سنة من الانفجار العظيم، مطلقة خلفية إشعاع الميكروويف الكوني.
هذا الإشعاع الذي اكتشف بالصدفة كان أهم الأدلة الداعمة للنظرية. ومن تلك المحطات المهمة تباعد المجرات؛ حيث تم اكتشاف هذه الظاهرة في عشرينيات القرن العشرين بواسطة الفلكي الأمريكي إدوين هابل.
لاحظ “هابل” حينذاك أن المجرات البعيدة تبتعد عن الأرض بسرعة أكبر كلما كانت أبعد. وقد تبين فيما بعد أن هذا التباعد ليس مجرد حركة داخلية للمجرات، بل نتيجة لتوسع الفضاء نفسه.
ومنذ ذلك الحين، تأكد العلماء، بالكثير من الشواهد والأدلة، بصحة نظرية الانفجار العظيم. غير أنه في الآونة الأخيرة رصد توسع الكون بسرعات أكبر من المتوقعة بل ويتسارع وما زال في طور الاتساع.
تليسكوب “جيمس ويب” يؤكد نتائج توسع الكون
لاحظ الباحثون عام 1998م، أن تباعد المجرات غير المرتبطة بالجاذبية فيما بينها يتسارع. يعني هذا أن سرعة التباعد تزداد مع مرور الزمن. وفي السنوات التي تلت ذلك ثبت أن معدل التوسع الحالي، والذي يُسمى “ثابت هابل”، أسرع مما تقدره نظريات علم الكونيات القياسية. وأطلق على هذه المعضلة ما يسمي بـ”توتر هابل”.
وفي الوقت الحالي، استخدم فريق من الباحثين بيانات من تلسكوب “جيمس ويب الفضائي”؛ لتأكيد قياسات “هابل”. وذلك للتأكد من النتائج السابقة.
وأشارت الدراسة، التي نُشرت مؤخرًا في مجلة The Astrophysics Journal، إلى أن التناقض بين النظريات وما نراه من تسارع فعلي للكون قد يكون ناجمًا عن سمة غير معروفة حتى الآن في الكون. أي أن هناك تفسيرًا علميًا غير معروف وليس خطأ في قياسات التلسكوب.
ويقول Adam Riess؛ عالم الفيزياء الفلكية في جامعة Johns Hopkins والمؤلف الرئيس للدراسة: “يشير الاكتشاف إلى أن فهمنا للكون قد يكون غير مكتمل”.
من الجدير بالذكر أن Riess حصل على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2011؛ لاكتشافه أن توسع الكون يتسارع عام 1998.
فرصة جديدة لمعرفة الكون من كثب
وأضاف Riess: “مع تأكيد تلسكوبين رائدين تابعين لوكالة “ناسا” الآن لنتائج بعضهما البعض، يجب أن نأخذ مشكلة “توتر هابل”، هذه على محمل الجد.
وتابع: هذا يمثل تحديًا جديدًا للعلماء، ولكنه في نفس الوقت فرصة لا تصدق لمعرفة المزيد عن كوننا”.
استخدم Riess وفريقه بيانات تلسكوب “جيمس ويب” لقياس المسافات من الأرض إلى أنواع معينة من المجرات ذات النجوم النابضة.
باستخدام هذه القياسات، حسب الفريق معدل توسع الكون. وكانت نتائج تلسكوب “جيمس ويب” متسقة مع نتائج “هابل”؛ ما يستبعد فعليًا إمكانية وجود معضلة “توتر هابل” نتيجة لخطأ بشري أو خطأ في الجهاز.
وصرح Riess قائلًا: “إن فهمنا للكون يحتوي على قدر كبير من الجهل بشأن عنصرين – المادة المظلمة والطاقة المظلمة. وهما يشكلان 96 % من الكون، لذا؛ فهذه ليست نسبة صغيرة”.
يشار إلى أن المادة المظلمة، التي يُفترض أنها تُشكل 27 % من الكون، هي مادة غير معروفة تؤثر في بقية الكون بجاذبيتها. ومن ناحية أخرى، يُعتقد أن الطاقة المظلمة تشكل حوالي 68 % من الكون، ويرى علماء أنها قد تكون مسؤولة عن توسع الكون. والآن، تشير النتائج الجديدة إلى أنها ربما تكون مسؤولة عن التسارع غير المبرر لهذا التوسع أيضًا.