عالم التكنولوجيا ترجمة
استطاع “الحمض النووي” المستخرج من عظام وأسنان الكائنات البشرية المتحجرة أن يعرفنا الكثير عن أسلافنا. وعلى مدار العقدين الماضيين لم يكشف تحليل المواد الجينية عن أنواع بشرية جديدة فحسب، بل مكّن علماء الآثار من إعادة تكوين ما كان يبدو عليه أسلافنا بعد آلاف السنين.
لكن لا يمكن أن يعطينا “الحمض النووي” القصة كاملة لأنه هش؛ حيث يتفكك بمرور الوقت إلى درجة تصبح شفرته غير مفهومة. وهذا يعني أن العديد من العظام القديمة لا يمكن تحليلها وراثيًا.
ولكن على مدى السنوات القليلة الماضية ظهرت رؤى جديدة حول أسلافنا القدماء من “البروتينات” المحبوسة داخل البقايا المتحجرة؛ إذ يمكن أن تعيش البروتينات لفترة أطول بكثير من الحمض النووي. وأدى التقدم في التقنيات المعملية، مثل قياس الطيف الكتلي، إلى زيادة قدرة الباحثين على اكتشاف وتوصيف الكميات الصغيرة منها.
-فضل البروتينيات
هناك طريقة واعدة أكثر من ذلك كله هي “بندقية علم البروتينيات”، وهي تقنية توفر ملف تعريف لجميع البروتينات داخل العظام المتحجرة أو الأسنان. وأثبتت هذه الطريقة بالفعل قدرتها على تحديد أنواع العظام المتحجرة للإنسان القديم التي تنتمي إليها، حتى عند فقد دليل الحمض النووي.
هذا يعني أننا على أعتاب ثورة تعد بتقديم رؤية غير مسبوقة لمن هم أقاربنا القدامى وكيف كانوا يعيشون.
يحرص علماء “الأنثروبولوجيا” بشكل خاص على معرفة المزيد عن “دينيسوفان” أو ” Denisovans”، وهي نوع من الأنواع المنقرضة من البشر عاشوا على الأقل من 200000 إلى 50000 سنة. وحتى الآن تم استرداد مادتهم الوراثية من موقع واحد فقط: “كهف دينيسوفا” في سفوح جبال ألتاي بسيبيريا.
لكن هناك أدلة على أنهم كانوا أكثر انتشارًا؛ حيث إن الأشخاص الذين يعيشون اليوم في آسيا وأستراليا وبابوا غينيا الجديدة لديهم الحمض النووي لـ “الدينيسوفان” في شفراتهم الجينية.
وتم العثور على أكثر بقايا إنسان “دينيسوفان” اكتمالًا حتى الآن، وهو نصف عظم فك سفلي مع اثنين من الأسنان التي اكتشفها راهب في “كهف بايشيا كارست” أعلى هضبة التبت في الصين. وحددت “البروتينات” الموجودة في الأسنان الملحقة بعظم الفك هذا، والموجودة في الصين، أنها تنتمي إلى إنسان “دينيسوفان”.
كان الحمض النووي داخل الفك، الذي يُعتقد أنه يبلغ من العمر 160 ألف عام على الأقل، متدهورًا للغاية؛ بحيث لا يمكن تحليله. لكن في عام 2019 تمكن فريق علمي من تحليل بروتين الكولاجين في الأسنان وكان مطابقًا لإنسان “دينيسوفان” الموجود في “كهف دينيسوفا”. كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التعرف على إنسان قديم من بروتيناته فقط.
يتم الآن استخدام تحليل البروتين لتمشيط الآلاف من شظايا العظام التي تم استخراجها من المواقع الأثرية في جميع أنحاء أوروبا وآسيا، لتحديد أي منها ينتمي إلى البشر القدامى، والتي تنتمي إلى حيوانات مثل الضباع والماموث.
-فهم النظم الغذائية القديمة
بالإضافة إلى استخدام الحمض النووي والبروتينيات، درس علماء الآثار أشكال وأبعاد العظام لتحديد الأنواع والنظر في المكان الذي يمكن أن تتناسب فيه مع ماضينا التطوري.
لكن الكثير مما وجدوه كان مجرد شظايا صغيرة لا يمكن تحديدها. تقول الدكتورة “كاترينا دوكا”؛ التي تقود فريقًا علميًا كبيرًا: “بالعودة إلى الخمسينيات من القرن الماضي، أو حتى قبل ذلك، كان علماء الآثار يرمون شظايا العظام هذه بعيدًا لأنها لن تكون ذات قيمة لهم”.
وتستخدم “دوكا” تقنية تسمى علم آثار الحيوان عن طريق قياس الطيف الكتلي (ZooMS) لتحديد شظايا العظام. وفي (ZooMS) يتم استخلاص بروتين الكولاجين من العظام وتكسيره باستخدام التربسين، وهو إنزيم يساعد في هضم البروتين في معدتنا.
يقطع التربسين الكولاجين إلى ببتيدات (سلاسل من الأحماض الأمينية)، ثم يتم وضعها في مطياف الكتلة بحيث يمكن قياس كتلها. وتوجد الببتيدات بنسب مختلفة في بقايا الإنسان مقارنة بتلك الموجودة في الحيوانات؛ ما يسمح بتحديد عظام الإنسان.
وحتى الآن تم تحليل 11000 جزء من عظام “كهف دينيسوفا” باستخدام (ZooMS)، وتم التعرف على 10 عظام بشرية يبلغ عمر بعضها ما يقرب من 250 ألف عام؛ لذلك من المحتمل أن يتجاوز التحليل الجيني. بعد كل شيء، تم تسلسل الحمض النووي فقط من ثلاث مجموعات من أشباه البشر، وهم: إنسان نياندرتال ودينيسوفان وهومو سابينس ومعظمهم كانوا موجدين خلال المائة ألف سنة الماضية.
اقرأ أيضًا:
باحثون: نستهدف مسارات إصلاح تلف الحمض النووي لعلاج مرض السرطان
ولمتابعة أحدث الأخبار الاقتصادية اضغط هنا
Leave a Reply