القنابل النووية التكتيكية.. تطور السلاح النووي عبر العصور

انفجار نووي

تمثل الطاقة النووية إحدى الطاقات النظيفة كثيفة الطاقة، والتي يمكن استخدامها في كثير من التطبيقات سوآء العسكرية أو المدنية. في ظل عالم يموج بالصراعات في بقاع عدة، ظهر مؤخرًا تهديدات متبادلة بين قوي عظمى باستخدام الأسلحة النووية سواء كانت الاعتيادية أو التكتيكية. فما هي آليه عمل تلك الأسلحة؟ ولماذا تثير الذعر بين الجميع؟.

نظرة سريعة عن تطور مفهوم الذرة

حاول الإنسان منذ القدم معرفة التركيب الدقيق للمواد، ولماذا تختلف العناصر في الطبيعة عن بعضها البعض. مثلت أسئلة على شاكلة لماذا يلمع الذهب؟ ولماذا يختلف عن الحديد والنحاس؟ وكيف يمكن تحويل العناصر الرخيصة إلى الذهب؟ أسئلة صعبة وغير قابلة للإجابة.

حاول المفكرون والعلماء وضع أسس لنظريات علمية لحل تلك المعضلات فمثلًا اعتقد أرسطو بأن المواد تتكون من مزيج من العناصر الأساسية بنسب مختلفة. وعرف أرسطو العناصر الأساسية بأنها هي الماء والهواء والتربة والنار، وأن خصائص المواد تعتمد على نسب تلك العناصر الداخلة في تكوينها. لم يكن أرسطو كيميائيًا بالمعني المفهوم، ولكن إسهاماته طورت من طريقة فهم الناس للمواد، وألهمت الكثيرين للبحث في هذا الموضوع.

تبع أرسطو فيلسوفًا يونانيًا آخر هو ديموقريطوس والذي أسس مفهوم الذرة. حيث افترض بأن كل المواد مكونة من وحدات غير قابلة للتجزئة تسمي ذرات. واعتقد أيضًا بأن كل عنصر يمتلك ذرات تميزه عن غيره وفريدة من نوعها. وبهذا يكون قد أجاب عن السؤال لماذا تختلف المواد عن بعضها؟ وظل هذا الاعتقاد هو السائد حتى القرن 19.

أنبوبة أشعة المهبط

اكتشاف مكونات الذرة

مثلت التجارب على أشعة المهبط (جهاز يشبه شاشة التليفزيونات القديمة) تجارب قيمة جدًا؛ حيث قادت إلى الكثير من الاكتشافات في مجال علوم المواد. كان من أهم هذه الاكتشافات اكتشاف الأشعة السينية Xray والإلكترونات.

اكتشاف الإلكترونات

اكتشف طومسون أثناء العمل على أنبوبة أشعة المهبط أن تلك الأشعة تتكون من جسيمات مشحونة؛ حيث إنها تنحرف عند التعرض إلى المجال الكهربي أو المجال المغناطيسي. كانت تلك الانحرافات تدل على أن تلك الجسيمات تمتلك شحنة سالبة. ولأن الذرات ككل متعادلة فإنه لزم الأمر وجود شحنات موجبة بالقرب من تلك الشحنات السالبة لتكون الذرات.

اكتشاف النواة والبروتونات

وفى تجربة شهيرة اكتشف إرنست راذرفورد وجود النواة الموجبة عبر تجربة تعرف باسم تشتت أشعة الفا. في هذه التجربة قام راذرفورد بإسقاط أشعة ألفا على شريحة من الذهب فانحرفت أشعة ألفا موجبة الشحنة بزوايا تدل على أن هناك شحنة موجبة متركزة في قلب الذرة. ومن هنا نشأ نموذج راذرفورد الشهير للذرات. وأطلق على الجزء الموجب اسم نواة الذرة.

وفي عام 1917، قام رذرفورد بإجراء تجربة أخرى؛ حيث قذف نوى النيتروجين بجسيمات ألفا، ونتج عن ذلك تكوين نظير جديد للأكسجين بالإضافة الى جسيم آخر يحمل شحنه موجبة. مثلت هذه التجربة دليلًا على تحول بعض العناصر إلى أخرى بواسطة التفاعلات النووية، وكذلك أنه تتفاعل النويات وكذا وجود جسيمات موجبة بداخلها أي أنها ليست صماء. أطلق رذرفورد على الجسيم المكتشف من هذه التجربة اسم “بروتون”.

اكتشاف النيوترونات

واستمرت التجارب العلمية حتى قام شدويك في تجاربه بقذف ذرات عنصر البيريليوم بأشعة ألفا؛ ما أدى إلى إطلاق نوع من الإشعاع متعادل الشحنة، أي أنه لا يحمل شحنة ولا ينحرف في المجال الكهربي أو المغناطيسي، والتي كان مصدرها النواة.  وقام شدويك بإطلاق اسم نيوترونات على تلك الجسيمات.

وتمكن العلماء بعد تلك التجارب من تحديد دقيق لمكونات ذرات العناصر؛ حيث تتكون من أنوية موجبة تتكون من نيوترونات وبروتونات، ويدور حولها إلكترونات سالبة الشحنة وأن الأنوية يمكنها التفاعل والتفتت وإصدار أشعة، تسمي تلك الأشعة أشعة جاما.

التصور الحديث للذرة

التفاعلات النووية

قام آينشتاين بإرساء مبدأ تحول المادة إلى طاقة والعكس في نظريته الشهيرة النظرية النسبية؛ حيث أوضح بأن المادة والطاقة وجهان لعلمة واحدة ويمكن تحويل إحداهما الي الأخرى. وضح آينشتاين ذلك في واحدة من أشهر المعادلات المعروفة في التاريخ E=MC2. وعكف العلماء منذ ذلك الحين على دراسة التفاعلات النووية ومحاولة استخلاص الطاقة من تلك التفاعلات. أصبح من المعروف بأنه يمكن للنويات أن تتفاعل مع جسيمات أولية معجلة مثل البروتونات وأشعة ألفا أو مع النيترونات، وينتج من ذلك عناصر جديدة وطاقة. هذا بالنسبة للعناصر الخفيفة أما العناصر الثقيلة فإنها تنشطر إلى عناصر أصغر مطلقة طاقة ضخمة للوسط المحيط.

التفاعل النووي الانشطاري

القنابل النووية

تمثل القنابل النووية أحد أهم التطبيقات العسكرية للطاقة النووية. تعتمد القنابل النووية على تفاعل ذرات عنصر اليورانيوم 235 مع النيترونات. ينتج هذا التفاعل عنصري الباريوم والكريبتون والكثير من الطاقة، بالإضافة الى ثلاث نيوترونات. تقوم النيوترونات المنتجة بتكرار التفاعل مع ثلاث ذرات أخري لينتج ما يسمي بالتفاعل المتسلسل.

يشبه الأمر كمن رتب أحجار الدومينو في تتابع خطي ثم أسقط الحجر الأول وتتابع كل الأحجار بعد ذلك في السقوط حتى يسقطوا جميعًا. يبدأ التفاعل المتسلسل عند وجود كتلة من المواد الانشطارية يطلق عليها الكتلة الحرجة. ويمكن استبدال اليورانيوم بمواد أخرى كالبلوتونيوم 239 وتبقى مبادئ العمل واحدة في الحالتين.

الآثار المدمرة للقنابل النووية

تحدث كل هذه التفاعلات في وقت قصير جدًا مطلقة كل تلك الطاقة إلى الوسط المحيط بالقنبلة مخلفة دمارًا واسعًا؛ حيث تمثل الموجة الصدمية الناتجة من الانفجار سببًا في تدمير محيط يعتمد على كمية المواد الانشطارية في القنبلة. وتمثل الحرارة الناتجة سببًا آخر في الدمار الناشئ عن القنبلة. ولا يقتصر ضرر القنابل النووية على التأثير اللحظي بل يتعدى ذلك إلى عقود من الزمن؛ حيث تبقي آثار المواد المشعة في التربة، وتنتقل عبر السحب إلى أماكن أبعد. تسهم تلك الإشعاعات في تشوه الأجنة والسرطانات وغيرها من الأمراض للنبات والحيوان والإنسان على حد سواء.

تصوير ما يحدث فى انفجار نووي

ومن الجدير بالذكر بأنه لم تستخدم القنابل النووية الانشطارية سوى مرتين فقط، وكانت ضد اليابان في الحالتين في مدينتي هيروشيما وناكازاكي عام 1945. ومنذ ذلك الحين يعد السلاح النووي سلاح ردع أكثر منه أداة في الحروب.

القنابل النووية الاندماجية

تعتمد الشمس على دمج ذرات الهيدروجين للحصول على طاقتها، ويمكن صنع هذا التفاعل على الأرض بطرق خاصة. وتسمي القنابل التي تعتمد اندماج الذرات بالقنابل الهيدروجينية نظرًا لاستخدامها الهيدروجين كوقود للقنبلة. ويتطلب هذا التفاعل الاندماجي طاقة هائل لبدئه، وتستخدم قنبلة انشطارية لتهيئة الظروف لبدء الاندماج؛ ما يعنى مزيدًا من الدمار والفاعلية لتلك القنابل.

القنابل النووية التكتيكية

يطلق هذا المصطلح على قنابل نووية قادرة على التدمير غير أنها أقل قوة من القنابل النووية الاستراتيجية؛ حيث تستهدف مناطق أصغر ومحدودة. غير أنها ماتزال قادرة على إحداث ضرر بالغ. وتصمم تلك القنابل لتكون قابلة للإطلاق من خلال الطائرات أو الصواريخ أو القذائف المدفعية. ويمكنها استهداف مدينة بعينها كعاصمة دولة معينة مثلًا؛ حيث يكون الضرر موجعًا للعدو وفى نفس الوقت محددًا.

وتسعي الكثير من الدول حول العالم إلى امتلاك قنابل نووية سواء استراتيجية أو تكتيكية. كما تمتلك العديد من الدول القنابل النووية بالفعل في جعبتها العسكرية. كما توجد القنابل الهيدروجينية في كل من أمريكا وروسيا.. ويعد انتشار هذه الأسلحة النووية حول العالم مثيرًا لمخاوف الكثير من الخبراء. حيث يعتقد بأنه إذا ما أطلقت إحدى الدول قنبلة نووية فإن ذلك سيبدأ حربًا عالمية نووية متسلسلة. مثل تلك الحروب قد تكون السبب في فناء الحضارة بشكلها الحديث.

إحصائية بما تمتلكه الدول من أسلحة نووية

ويمكن تلخيص هذه المخاوف في إحدى مقولات آينشتاين الشهيرة “لا أعلم بأي الأسلحة سيحارب العالم الحرب العالمية الثالثة. ولكني متأكد تمام التأكد بأن الرابعة ستكون بالعصي والحجارة”.

الرابط المختصر :