القنابل الذكية.. أداة مصممة للقتل هل تمتاز بالذكاء حقًا؟

صاروخ توماهوك

تعد الحرب أحد أبرز الأنشطة التي مارستها البشرية منذ القدم. وفي هذا السياق، يظل التطور في الحروب وخططها وأدواتها وأسلحتها أحد أكثر المجالات تطورًا. فمن الأسهم إلى القنابل الذكية حتى النووية استمر البشر في التطور بـعلوم الموت وأدواته.

عرف العالم أجمع أهمية الطيران في تقدم البشرية منذ محاولة الطيران الناجحة، التي قام بها الأخوين رايت عام 1903. وظهرت تطبيقات عدة للطيران في الحروب، مثل: الاستطلاع، والحماية الجوية، وكذلك القصف الجوي.

ونظرًا لهذه التطبيقات التي تعتمد عليها حياة الكثير من الجنود تطورت الطائرات على نحو متسارع ومبهر في آن واحد. وبقدر التطور الذي حظيت به الطائرات، فقد تطورت القذائف المستخدمة بواسطتها بالنسق نفسه؛ حيث مثلت سلاحًا يمكنه إلحاق الكثير من الأضرار في القوات المعادية.

الطيران في الحروب

كانت الطائرات في الحرب العالمية الأولى لا تحمل إلا الأسلحة الرشاشة. وكان جل مهامها تصحيح رمي المدافع، واعتراض الطائرات المعادية ومنعها من استهداف الجنود على الأرض وفي الخنادق. وزودت بعد ذلك بقليل من القنابل التي يرميها الطيار يدويًا على مواقع العدو. ومثلت طريقة بدائية جدًا وغير دقيقة بالمرة.

 

إلقاء القنابل قديمًا

 

في تلك الحقبة كانت الطائرات تمتلك جناحين أو ثلاثة أجنحة، ومصنوعة عادة من الخشب والقماش؛ ما لا يسمح بحمولات ثقيلة من الأسلحة. وفي نهاية ثلاثينيات القرن العشرين، استبدلت الطائرات المعدنية بالخشب، والتي تبرد المحركات بالمياه بدلًا عن الهواء كأسلافها. سمح ذلك بتضاعف الحمولة والارتفاع والمدى للطائرات المقاتلة. مكنت هذه التطورات من الاستخدام المكثف للطيران من كل أطراف الصراع في الحرب العالمية الثانية.

 

طائرة من الحرب العالمية الأولى

قذائف الطائرات

تكمن قوة الطائرة العسكرية في إمكانية الوصول للأهداف المعادية من الجو ولمسافات بعيدة؛ حيث يمكن لمجموعة من الطائرات تحييد قاعدة أرضية أو مطار بفاعلية. ومنها كانت الحاجة لقذائف دقيقة قادرة على إحداث الضرر. واعتمد تطور القذائف على شقين أساسيين، هما: القوة التدميرية، وأنظمة التوجيه.

 

إلقاء القنابل من الطائرة بالطريقة التقليدية

 

في بادئ الأمر كانت القذائف توجه من الطائرات بالسقوط الحر، يشبه الأمر إلقاء حجرًا من أعلى قلعة. في هذه الحالة تفقد القذيفة الارتفاع تدريجيًا حتى تصدم بالأرض فوق الهدف. تتطلب هذه الطريقة الكثير من التدريب للطيارين.

كما أنه لا يمكن استخدامها في أي وضعية طيران، أي أن تلك الطريقة تستلزم ألا تكون الطائرة مشتبكة في قتال جوي. دعت هذه التحديات الكثير من الحكومات والشركات إلى تطوير قنابل يمكن توجيهها في أثناء الطيران، فيما يعرف بالقنابل الذكية.

القنابل الذكية

يطلق مصطلح القنابل الذكية على تلك المقذوفات القادرة على تصحيح مسارها، والوصول بدقة إلى أهدافها سواء أكانت ملقاة من طائرات أم مطلقة من عربات أم صواريخ موجهة. تتميز هذه القذائف بوجود نظام توجيه خاص يتحكم بجنيحات التوجيه للتحكم بمسار القذيفة في أثناء الطيران.

ظهرت هذه القذائف في نهايات الحرب العالمية الثانية عندما استخدم الألمان قذيفة موجه لاسلكيًا لقصف السفينة الإيطالية Roma. وتطورت تلك القنابل منذ ذلك الحين في طرق التوجيه؛ حيث اعتمدت على طرق متعددة، مثل: التضاريس، والتوجيه البصري، والأقمار الصناعية، والأشعة تحت الحمراء، والليزر.

بينما يعتمد تصنيف تلك القنابل على الطريقة التي تستخدمها للتوجيه. ويمكن شرح تلك الطرق ببساطة في السطور التالية:

التوجيه بالتضاريس

من أشهر الأنواع التي استخدمت تلك الطريقة هي الصواريخ الأمريكية Tomahawk الجوال. كانت النسخ الأولى من هذه الصواريخ تستخدم رادار يمسح تضاريس الأرض التي يمر من فوقها، ثم مقارنة المسار بآخر مُحمل سابقًا في ذاكرة حاسوب الصاروخ.

سمحت تلك الطريقة بدقة إصابة، مسافة الخطأ عن الهدف، تساوي 10 متر. تميزت تلك الطريقة بأنها سمحت للصاروخ بالطيران على ارتفاعات منخفضة، وتفادي أنظمة مضادات العدو.

الجدير بالذكر أن هذه الطريقة لا يمكن استخدامها في الاستهداف البحري؛ حيث لا يوجد تضاريس في البحار. ويمكن التغلب على تلك المعضلة باستخدام طريقة توجيه أخرى تسمى التوجيه بالقصور الذاتي. في هذه الطريقة يطلق الصاروخ بإحداثيات تقريبية للهدف ومن خلال استخدام مستشعرات كمستشعر التسارع والجيروسكوب يمكن الوصول التقريبي للهدف.

 

استخدام التضاريس في التوجيه

 

التوجيه البصري

تمتلك تلك المقذوفات حساسات كهروضوئية في مقدمتها (كاميرا). ويمكن تعديل مسار الصاروخ من خلال اتصال لاسلكي. كما هو الحال في القذيفة AGM-65 Maverick. يحصل مطلق الصاروخ على نسخة ما تلتقطه الكاميرا، ويعدل المسار تباعًا في الوقت الفعلي.

وظهرت أنواع حديثة من هذه الصواريخ تعتمد على التوجيه اللاسلكي، والاعتماد على بث مباشر من كاميرا مثبتة في رأس الصاروخ.

 

AGM-65_Maverick

 

التوجيه بالليزر

في هذا النوع من القذائف يتم الإشارة إلى الهدف المراد إصابته بتوجيه أشعه ليزر نحو الهدف، سواء بواسطة جنود بجواره أو من الطائرة المُطلِقة أو غيرها. وتمتلك القذيفة نظامًا بصريًا لرصد البقعة المضاءة بالليزر، وتعديل المسار للاصطدام بها. يتطلب هذا النوع وجود خط بصري للهدف. كما أنها غير فعالة في وجود أتربة أو ضباب يحجب رؤية الهدف.

 

بعض القذائف الموجهة بالليزر ومعلومات عن الوزن الكلي للقنبلة

التوجيه بالأشعة تحت الحمراء

يمكن أن توجه الصواريخ والمقذوفات بالأشعة تحت الحمراء من خلال إلحاق مستشعرات للأشعة في هذا المدى. ويمكن للصواريخ أن يكون توجيهًا ذاتيًا كالصاروخ الأمريكي الشهيرJavelin ؛ حيث يمتلك كاميرا تري بالأشعة تحت الحمراء، ويمكنه تعقب الهدف آليًا. ويمكن أيضًا توجيه هذه الصواريخ من خلال سلك، مثل: عائلة TOW الشهيرة.

 

مجموعة من الجنود يطلقون صاروخ Javelin

التوجيه بالأقمار الصناعية

في الآونة الأخيرة استخدمت أنظمة تحديد الموقع العالمية (GPS) لتوجيه المقذوفات. في هذه الطريقة يدخل إحداثيات الهدف إلى ذاكرة القذيفة أو الصاروخ، ثم تقارن الإحداثيات الحالية بالمستهدفة. تتميز هذه الطريقة بالدقة الشديدة غير أنه يمكن التشويش على إشارات (GPS)؛ ما يستلزم طرق مصاحبة للتوجيه.

وفي النهاية، تبقى القنابل أداة مصممة للقتل ولا تمتاز بأي ذكاء؛ حيث أنها لا تفرق بين ضحاياها، وإنما يطلق المصطلح على طريقة التوجيه نفسها، وليست القنابل.

الرابط المختصر :