يتعامل معظم البشر مع الطلاءات على أنها مجرد إحدى أدوات تلوين المنازل أو الأدوات المستخدمة يوميًا. غير أن الطلاءات تلعب دورًا مهمًا جدًا في الكثير من الصناعات، بل وقد تكون حاسمة في بعض الأعمال كالتطبيقات العسكرية مثلًا. حيث يمكن للطلاء أن يعزز من إمكانيات الآلات والمعدات، بالإضافة إلى الحماية من التآكل والصدأ، وكذلك إضفاء الشكل الجمالي المعتاد.
تحسين أداء الطائرات باستخدام الطلاء المناسب
تعمل الطائرات في بيئات مختلفة متراوحة بين الأجواء الحارة والباردة والرطبة. وتتعرض أيضًا للسحب والعواصف في بعض الأحيان؛ ما يستلزم وجود طلاءات يمكنها أن تقاوم كل تلك الظروف. غير أن هناك استخدامات حاسمة لاستخدام الطلاء في صناعة الطائرات بالإضافة إلى ما سبق.
وتعمل محركات الطائرات النفاثة عند درجات حرارة مرتفعة جدًا قد تصل إلى 1000 درجة مئوية؛ ما قد ينتج عنه انثناء أو حتي ذوبان أجزاء من شفرات المحرك.
ويمكن لطلاءات سيراميكية خاصة مقاومة للحرارة يمكنها حماية شفرات المحركات النفاثة عند درجات حرارة التشغيل المرتفعة. كما يمكن لتلك الطلاءات السيراميكية أن تسمح للمهندسين بتصميم محركات تعمل على درجات حرارة أعلى من الحالية.
وفى هذا الصدد يقول Ben Beake؛ مدير أبحاث المواد في شركة Micro Materials، وهي شركة اختبار الأجهزة والمواد الواقعة في مقاطعة ويلز: “يحسن زيادة درجة حرارة تشغيل محركات الطائرات 30 درجة مئوية فقط إلى التوفير في كمية الوقود المستخدم، وكذلك انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وبتطبيق تلك الطلاءات السيراميكية قد يصل التوفير إلى 8% من الوقود المستخدم لتشغيل الطائرة”.
طلاءات شبحية للطائرات
تمثل الطلاءات في الطائرات الحربية أكثر من الحماية من الظروف الجوية والوقاية من الصدأ. حيث يمكن أن تضفي الطلاءات العسكرية سواءً في الطائرات أو حتي المركبات الأرضية كدبابات ومركبات نقل الجنود تمويهًا وتغييرًا في الشكل يتماهى مع خلفية مسرح المعركة؛ ما يجعل من الصعب تحديديها استهدافها بصريًا. غير أن بعض الطائرات تتميز بوجود طلاءات ماصه لأشعة الرادار. ويمكن لهذه الطلاءات بالإضافة إلى التصميم الهندسي تمكين الطائرات من امتلاك صفات شبحية، وتصعب جدًا من عملية رصدها.
الطلاء في صناعة الفضاء
تتعامل المركبات والأقمار الصناعية مع بيئة عدائية وصعبة من حيث درجات الحرارة العالية، والاحتكاك العالي مع جزيئات الهواء في عمليات الهبوط والانطلاق. كما أنها تتعرض أيضًا للكثير من الإشعاعات في الفضاء. ويستلزم كل ذلك وجود طلاءات يمكنها مقاومة كل تلك العوامل والظروف. وتزود مركبات الفضاء بدروع حرارية لتقليل انتقال الحرارة إلى جسم المركبة، وكذلك يمكن طلاء التروس والمحركات بمواد تقاوم التآكل؛ ما يزيد من عمر القمر الصناعي أو المركبة الفضائية بصورة عامة. ويجب أن تصمم تلك المواد المستخدمة في الطلاء أيضًا لتحمي المركبات في الأجواء الأرضية العادية عند سطح الأرض مثل الرطوبة والرياح والتأكل وغيره.
الطلاءات الحيوية
من الجدير بالذكر أهمية الطلاءات الحيوية المستخدمة في المستشفيات والأماكن العزل ودورها في منع نمو البكتريا، والحد من انتشار العدوي.
كما يمكن استخدام الطلاءات المقاومة للبكتريا داخل أنابيب نقل المياه التي لا يمكن الوصول إليها وتنظيفها كتلك الموجودة في محطات الفضاء وغيرها. حيث يمكن أن تنمو الأغشية الحيوية، وهي تراكمات لزجة من البكتيريا داخل الأنابيب، بشكل أسرع في البيئات ذات الجاذبية المنخفضة. حيث يمكن أن تشكل تلك الأغشية مشكلة لإمدادات المياه أو الآلات التي تنقل السوائل في محطات الفضاء، وقد تتسبب تلك الأغشية أيضًا فى أعطال ميكانيكية.
وفي محاولة لحل تلك المشكلة، طور د. Kripa Varanasi وزملاؤه في معهد Massachusetts للتكنولوجيا مجموعة من الطلاءات التي تجعل الأسطح زلقة. وفي هذا السياق تزداد مقاومة الأسطح لتكوين الأغشية الحيوية. وتكمن الفكرة وراء الطلاء في خلط مادة صلبة ومادة تشحيم معًا. ومن ثم يتم رشها على الجزء الداخلي من الأنابيب؛ ما يجعل هذا السطح الداخلي زلقًا للغاية. وقد تم اختبار تلك الطريقة في محطة الفضاء الدولية وتبين مدى فاعليتها بالفعل.
ويمكن تطبيق تلك الحلول التكنولوجية هنا على الأرض وليس فقط في الفضاء. حيث طبق Varanasi وفريقه تلك الطريقة على أنابيب معجون الأسنان لإخراج كل محتوياتها إلى النهاية.
الطلاء في الصناعات الثقيلة
يمكن للطلاء أن يوفر ملايين الدولارات في الصناعات الثقيلة. فعلي سبيل المثال في مصانع الألومنيوم يلتصق الألومنيوم بالمعدات المستخدمة في الصناعة؛ ما يستوجب تغييرها كل فترة. ولكن لحل هذه المعضلة قامت د. Nuria Espallargas بجامعة النرويج للعلوم والتكنولوجيا بصناعة طلاء مكون مادة كربيد السيليكون ومواد أخرى تمنع التصاق الألومنيوم المصهور مع المعدات.
وقد اختبرت شركة Atlas Machine and Supply، وهي شركة أمريكية تصنع وتصلح الآلات الصناعية، هذا الطلاء. يقول Jeremy Rydberg، كبير مسؤولي الابتكار بشركة Atlas: “تكمن الفائدة الحقيقية في إطالة عمر الأدوات وتحسين جودة المنتجات التي يتم إنتاجها”. ويستطرد قائلا: “إنه بدون الطلاء، يجب على Atlas إعادة بناء الأسطوانات التي تستخدمها لمعالجة الألومنيوم كل يومين. وتكلف هذه العملية 4.5 مليون دولار سنويًا. لكن الطلاء الجديد يمكن أن يحمي تلك الأسطوانات لمدة أسبوع كامل، وليس بضعة أيام فقط؛ ما يخفض تكاليف إعادة البناء إلى حوالي 1.3 مليون دولار سنويًا.