في عالم اليوم هناك العديد من الاتجاهات التي تؤثر في تطوير المجتمعات وتيسير حياة الإنسان وتساهم في تعزيز مستويات المعيشة داخل المجتمع. وتقديم حلول مبتكرة تواكب التطور المستمر في شتى مناحي الحياة.
فيما تشمل هذه الاتجاهات -على سبيل المثال- اتجاهات تخزين الطاقة والبطاريات والتنمية المستدامة والتطبيقات الطبية الحيوية. والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني (Cybersecurity)، وكذلك تطبيقات الحساسات بأنواعها المختلفة.
يمكن تعريف الحساسات (sensors) بصورة عامة بأنها أجهزة تستخدم للكشف والتعرف على التغيرات الحادثة بالبيئة المحيطة. وقياس وتحديد هذه التغيرات، ثم تحويلها الى إشارات أو بيانات يمكن قراءتها ومعالجتها.
وقد تكون التغيرات الخارجية الحادثة في الوسط المحيط للحساسات تغيرات فيزيائية. كالضغط ودرجة الحرارة والرطوبة والمجال المغناطيسي. أو تغيرات كيميائية مثل: الرقم الهيدروجيني (pH) وتركيز الغازات، أو تغيرات بيولوجية مثل: معدل ضربات القلب والأكسجين في الدم أو غيرها.
وبالتالي يمكن لهذه الحساسات العمل كجسر لربط التغيرات المادية الحادثة في البيئة المحيطة بعالم الأجهزة الإلكترونية وملحقاتها. عن طريق ترجمة تلك المتغيرات وقراءتها.
وتعتبر الحساسات أحد العناصر المهمة في الأنظمة الصناعية الحديثة؛ حيث تستخدم لتحسين الكفاءة ومراقبة العمليات وضمان الجودة في العديد من المجالات الصناعية. وسوف نلقي الضوء باختصار على العديد من أنواع الحساسات وأشهر تطبيقاتها في الصناعة والتكنولوجيا.
أنواع الحساسات والعوامل المهمة لأدائها:
تتعدد أنواع الحساسات تبعًا للمتغير المطبق عليها في الوسط. والذي تستجيب له وتحدث تغيرًا متناسبًا مع المؤثر الموجود. ولكنها تشترك جميعًا في بعض العوامل المهمة اللازمة لتقييم كفاءة عمل الحساسات.
على سبيل المثال: سرعة رد الفعل (response time)، وسرعة العودة (recovery time)، وحد الإدراك (LOD). وقيمة الحساسية (sensitivity)، ومدى العلاقة الخطية (linearity range). والضوضاء المصاحبة (Noise)، والدقة، والثبات، والتكلفة.. إلخ.
بينما يساعد تقييم الأداء العام للحساسات، باعتبار مثل هذه العوامل، على ضمان مناسبتها للتطبيق المقصود. حيث يعتبر التوازن بين التكلفة والأداء والقدرة على العمل في ظروف بيئية مختلفة أمرًا مهمًا لتوظيف أفضل حساس مناسب لمهمة معينة.
ومن أشهر أنواع الحساسات: حساسات الضغط، وحساسات درجة الحرارة، والحساسات الضوئية، وحساسات الغاز. حساسات الرطوبة، وحساسات الحركة، والحساسات الكيميائية، والحساسات المغناطيسية.. إلخ.
بعض تطبيقات الحساسات في الصناعة:
يتم استخدام الحساسات بشكل كبير في الصناعة لتحسين الكفاءة والدقة بالعمليات الإنتاجية. كما تساعد على تقليل الأخطاء وزيادة الأمان في البيئات الصناعية.
ومن أمثلة ذلك: حساسات الحرارة (temperature sensors) والتي يتم توظيفها لمتابعة تغيرات درجات الحرارة في الأفران والغلايات والتوربينات والمفاعلات الكيميائية. وبصناعة البلاستيك للحفاظ على درجه الحرارة المناسبة لضمان سلامة المنتجات والتفاعلات الحادثة.
ومنها حساسات الضغط (pressure sensors) والتي توظف لمراقبة الضغط في الأنظمة الهيدروليكية والهوائية. وتؤدي دورًا حيويًا داخل محطات توليد الطاقة وصناعة النفط والغاز. والتحكم في وحدات الإنتاج لتجنب التلف الناتج عن الضغط الزائد. وكذلك بوحدات هندسة الروبوتات لتعيين القوى المؤثرة في الروبوت.
ومن أمثلة هذه الحساسات أيضًا: حساسات التقارب (proximity sensors)، وتستخدم للكشف عن وجود أو غياب الأجسام في مكان معين. ويتم تطبيق هذه الحساسات في خطوط الإنتاج الآلية قبل بداية الإنتاج؛ لضمان تواجد المكونات في أماكنها الصحيحة وضمان تركيبها بشكل دقيق.
كما توجد في الهواتف المحمولة ومركبات القيادة، فيما توظف في أنظمة الأمان؛ حيث يمكنها التعرف على وجود جسم غير مرغوب فيه.
علاوة على ذلك فإن حساسات التدفق (flow sensors) تستخدم أيضًا في الصناعة لمتابعة مستويات تدفق الغازات والسوائل في الأنابيب. والتي لها دور مهم ببعض الصناعات كصناعة الورق والصناعات الكيميائية؛ للتأكد من تدفق المواد بشكل منتظم ومتناغم دون انقطاع.
بالإضافة لما سبق تمثل حساسات المستوى (level sensors) نوعًا آخر من الحساسات، والتي توظف في تعيين وقياس مستويات المواد بالصوامع والخزانات. ويمكنها المساعدة على الحد من الجفاف أو الفيضانات.
ومن الاتجاهات المهمة أيضًا للتطبيقات الصناعية للحساسات: تحديد الرطوبة في الوسط المحيط. حيث يتم استخدام حساسات الرطوبة (humidity sensors) في الصناعات الغذائية. للتأكد من سلامة المنتجات واستبعاد التالف نتيجة تغير الرطوبة.
وحساسات الغاز (gas sensors) تستخدم أيضًا على نطاق عريض في الصناعة لمراقبة جودة الهواء ومتابعة التسريب الغازي. ومنع التراكمات الغازية للغازات الضارة. ما يعزز من مستويات السلامة والأمان داخل المنشآت الحيوية وفي بيئة العمل.
وتمثل الحساسات المغناطيسية (magnetic sensors) فئة مهمة من الحساسات المطبقة صناعيًا في صناعات متعددة. على سبيل المثال: تستخدم الحساسات المغناطيسية في إعادة التدوير عن طريق التعرف على المعادن. وكذلك بأجهزة الاستشعار المغناطيسي، ومتابعة الملوثات بمصادر المياه. والكشف عن التسرب الحادث في أنابيب الغاز والبترول.
وهناك العديد من التطبيقات الأخرى المستخدمة في الصناعة والزراعة والطب. والتي توظف فيها الحساسات بشكل كبير وبصورة متزايدة خلال العقود القليلة الماضية. وتوطيد مثل هذه الاتجاهات لتطبيقات الحساسات يمهد الطريق لتوفير الوقت والجهد وتقليل التكلفة للعديد من المنتجات. ويمثل مرتعًا خصبًا للدراسات والتطبيق في بيئة متعددة التخصصات.
البحث العلمي وعلاقته بالصناعة:
يساهم البحث العلمي بصورة كبيرة في تقديم حلول للمشكلات المجتمعية وتطوير الأداوت المستخدمة بصورة واسعة. حيث تستخدم نتائج وتجارب الأبحاث وبراءات الاختراع وغيرها، المنصبة على الحساسات بأشكالها المتنوعة، في تقديم منتجات جديدة أو تطوير المنتجات الحالية. ما يزيد من فرص تنافسيتها وتحسين أدائها.
والبحث العلمي مبنٍ على الإضافات والخبرات المعرفية التراكمية التي تضيف للمجالات التكنولوجية وتوسع دائرة المعارف الإنسانية والمجتمعية. إضافة إلى ذلك تقدم التكنولوجيا الحديثة المبنية على ما توصلت له الأبحاث فرصة لزيادة الإنتاجية وترشيد المستهلك من الموارد والطاقة. وتحسين الأداء والتغلب على المشكلات الصناعية.
كما أن مثل هذه الدراسات تعزز الابتكار وتقدم حلولًا واعدة في شتى المجالات. وبالتوازي مع تقديم الحلول عن طريق البحث والابتكار يجب تدريب العاملين في الصناعة على استخدام مثل هذه التقنيات وتوظيفها لتطوير الأداء وزيادة الإنتاجية. والشكل التالي يوضح التزايد المضطرد في الأبحاث الموجهة للحساسات خلال الأعوام العشرين الماضية.
دور الذكاء الاصطناعي والرؤية المستقبلية بمجال الحساسات:
يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في تطوير وتحسين الحساسات؛ ما يمهد الطريق لفتح آفاق جديدة في الاتجاهات المختلفة. إذ يمكن للذكاء الاصطناعي زيادة دقة الحساسات وتقديم تنبؤات دقيقة باستخدام تحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر فعالية. لقدرته على جمع ومعالجة كم هائل من البيانات خلال وقت وجيز.
ويمكن للحساسات التنبؤ باحتمالية حدوث الأعطال في الصناعات قبل وقوعها؛ ما يقلل من وقت التوقف عن العمل ويزيد كفاءة العمليات. ومن الممكن أيضًا للحساسات المدعومة بأدوات الذكاء الاصطناعي التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة بسرعة وفعالية. مثل التكيف مع التغيرات في التربة والطقس والرطوبة لزيادة الإنتاجية.
بجانب ذلك في مجال الأمان -مثلًا- يمكن استخدام الحساسات المدمجة مع الذكاء الاصطناعي لمراقبة ومتابعة البيئات الحساسة. والكشف عن التهديدات المحتملة بشكل أكثر فعالية في بعض التوجهات. مثل: المراقبة الأمنية وأنظمة الإنذار المبكر.
كما يقدم تكامل الحساسات مع شبكات إنترنت الأشياء (IOT) وتعلم الآلة (machine learning) فرصة وحلولًا للمدن الذكية والنقل الذكي. حيث يمكن جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات عن البيئة والجو وخلافه ثم ترسل إلى منصات إنترنت الأشياء لتحليلها واتخاذ القرارات المناسبة.
بينما يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي على تنسيق العمل بين شبكات الحساسات دعمًا لرفع كفاءة الأنظمة. وتقديم حساسات مبتكرة توظف خوارزميات التعلم الآلي لتحسين أدائها وتطوير حساسات تستهلك طاقة أقل. وتعمل لفترات أطول توفيرًا للطاقة وتماشيًا مع توجهات التنمية المستدامة.
ويمكن استخدام الحساسات في العديد من التطبيقات مثل: المنازل الذكية، والزراعة الذكية، والرعاية الصحية. والصناعات التحويلية. وسلاسل التوزيع، وضمان الجودة.
ولتطوير الحساسات توجد بعض النقاط الأخرى مثل: المواد المستخدمة لصناعتها وتوطين تكنولوجيا النانو لتصبح أصغر حجمًا وأكثر دقة. علاوة على تطوير استخدامات الحساسات لاسلكيًا ودمجها مع الأجهزة القابلة للارتداء (wearable devices) .
في حين من المهم جدًا عند استخدام هذه التطبيقات تأمين البيانات المزودة؛ ما يساهم في رفع درجة الخصوصيه عن طريق تقنيات التشفير وإدارة الوصول.
وفي المستقبل القريب سوف تكون الحياة أكثر يسرًا وذكاءً ويستبدل العديد من التطبيقات الحالية لتحل محله التقنيات المستحدثة. توفيرًا للوقت والجهد وخفضًا للتكلفة مع الحفاظ على البيئة وتفعيل مفاهيم التنمية المستدامة.
إن المستقبل القريب موجود أسرع مما نتخيل وسيكون للذكاء الاصطناعي دور أساسي في هذا التطور. وفي غضون سنوات قليلة ستكون هناك ثورات صناعية وتكنولوجية تتطلب فهمًا مجتمعيًا ومواكبة ودعمًا وخططًا ورؤى مستقبلية. وتفعيلًا لدور البحث والتطوير في شتى مناحي الحياة.
بقلم: د. أمير الزواوي
دكتور باحث- قسم الحراريات والسيراميك ومواد البناء- معهد بحوث تكنولوجيا المواد المتقدمة والثروات المعدنية – المركز القومي للبحوث