بينما يستعد العالم لوداع العقد الحالي، يتجه طموح التكنولوجيا نحو عام 2030، حيث لا تقتصر المنافسة على سرعة الإنترنت فحسب، بل على من يمتلك “الذكاء” في الفضاء.
ومع تسارع السباق نحو الجيل السادس (6G)، يبدو أن الساحة الحقيقية للمواجهة لن تكون على اليابسة، بل في المدارات العلوية للكوكب.
من “ناقل بيانات” إلى “منصة ذكية”
لم يعد الجيل السادس مجرد تطوير لسرعة التحميل؛ فوفقاً لرؤية الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، نحن أمام تحول بنيوي. الشبكات القادمة ستشهد “دمجاً عميقاً” بين الذكاء الاصطناعي والاتصالات، لتتحول من مجرد أسلاك وأبراج تنقل البيانات، إلى منصات ذكية قادرة على المعالجة واتخاذ القرار بشكل ذاتي. وفقًا لـ”interestingengineering”.
لكن هذا الطموح يصطدم بواقع جغرافي مرير؛ فالمناطق النائية والمحرومة من البنية التحتية تظل “ثقوباً سوداء” خارج نطاق التغطية. خاصة مع ازدياد أحمال المعالجة التي تتطلبها تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة وحساسيتها الفائقة للوقت (الكمون).
“الذكاء السائل”: ابتكار يكسر قيود الفيزياء
في محاولة لفك هذه الشفرة، قدم باحثون من جامعة هونغ كونغ وجامعة “شيآن” للاتصالات دراسة ثورية. تقترح دمج “الذكاء الاصطناعي الطرفي” (Edge AI) مع الشبكات الفضائية-الأرضية المتكاملة.
الفكرة تكمن في مفهوم “الذكاء الاصطناعي السائل بين الفضاء والأرض”. هذا المصطلح ليس مجازاً شعرياً، بل إستراتيجية تقنية تهدف لمحاكاة تدفق المياه؛ حيث تنساب البيانات ونماذج الذكاء الاصطناعي بين الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية دون عوائق، مستغلةً حركة الأقمار الصناعية المستمرة بدلاً من اعتبارها عائقاً.
ويرتكز هذا النموذج على ثلاث ركائز تقنية:
-
التعلم السائل: بدلاً من بناء بنية تحتية معقدة في الفضاء، يتم استغلال دوران الأقمار الصناعية لنشر “معاملات النماذج” ومزجها عبر مناطق جغرافية مختلفة، ما يسرع عملية التدريب والوصول لنتائج دقيقة.
-
الاستدلال السائل: تقسيم الشبكات العصبية المعقدة إلى نماذج فرعية موزعة بين السماء والأرض، ما يسمح للنظام بالتكيف مع جودة الاتصال المتاحة، لتحقيق توازن لحظي بين السرعة والدقة.
-
تحميل النماذج السائل: لتقليل الضغط على الترددات، يتم تخزين أجزاء مختارة فقط من النماذج الذكية على الأقمار. مع إمكانية نقلها “بسلاسة” بين قمر وآخر حسب حاجة المستخدم على الأرض.
الفضاء ليس بيئة صديقة
رغم هذه الآفاق الواعدة، فإن الطريق نحو “ذكاء مداري” مفروش بالتحديات. فالأقمار الصناعية تعمل في بيئة قاسية تعاني من:
-
الإشعاعات الكونية: التي قد تؤدي لتلف المعالجات أو خطأ في البيانات.
-
الطاقة المحدودة: حيث تعتمد الأقمار على الألواح الشمسية والبطاريات، ما يتطلب “تقشفاً” ذكياً في استهلاك الطاقة.
ولهذا، يشدد الخبراء على أن مستقبل الـ 6G يتطلب جيلاً جديداً من العتاد (Hardware) المقاوم للإشعاع، وأنظمة حوسبة قادرة على “تحمل الأعطال” وإعادة جدولة المهام بذكاء.
رؤية المستقبل
بهذا الابتكار، لم تعد الأقمار الصناعية مجرد “مرايا” تعكس الإشارات من نقطة لأخرى. بل تحولت إلى “عُقد ذكية” تمثل حجر الأساس في تقديم ذكاء اصطناعي عالمي وشامل. إننا لا نبني شبكة إنترنت أسرع فحسب، بل نبني “جهازاً عصبياً” يغلف الكوكب بأكمله.





















