هل فعلًا الأرض مسطحة؟.. حقائق علمية

احتدم النقاش مجددًا، في الفترة الأخيرة، حول الجدل بين فكرة كروية الأرض وتسطحها. ووجدت الكثير من المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي. فكثير ممن يؤيدون فكرة أن الأرض مسطحة يقولون بان هناك مؤامرة من وكالات الفضاء الدولية لإخفاء الحقيقة عن عامة الناس. ويخصون ناسا والوكالات الأوروبية للفضاء بتلك الاتهامات عادة.

مهوسو نظرية المؤامرة

ينادي الكثير من هذه المجموعات التي تؤيد فكرة أن الأرض مسطحة بأن هناك مؤامرة لإخفاء الحقيقة عن العوام. ويزعمون بأن كل الصور التي التقطتها ناسا وغيرها من وكالات الفضاء مفبركة. بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك؛ حيث دعا مطرب الراب الأمريكي. Bobby Ray Simmons Jr المشور باسم (B.o.B) عام 2017 للبدء بحملة تبرعات على موقع GoFundMe تصل إلى مليون دولار لبناء صاروخ خاص. وبتزويد هذا الصاروخ بكاميرات لتصوير الأرض يمكن التأكد من تسطحها على حد زعمه. ويطمح (B.o.B) ورفاقه للعثور على حافة العالم، وهو مصطلح يقصد به مروجو فكرة أن الأرض علي شكل قرص (مسطحة) وليست كروية.

وتزداد أعداد المؤمنين بتلك الفرضيات عامًا تلو آخر حتى إنهم الآن يقيمون مؤتمرات للترويج للفكرة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية أقيم مؤخرًا مؤتمرًا لدعاة الأرض المسطحة حضره 600 شخص وهو رقم كبير مقارنة بعدد الأشخاص الذين يحضرون المؤتمرات العلمية عادة. وسيقام هذا المؤتمر بصورة دورية كل عام.

نماذج الأرض المسطحة

يوجد العديد من نماذج الأرض المسطحة المختلفة. فهناك نماذج تقترح أن حواف الأرض محاطة بجدار من الجليد المتماسك في المحيطات. ويشير آخرون إلى أن كوكبنا المسطح وغلافه الجوي مغطى بكرة ثلجية ضخمة نصف كروية، لا يمكن أن يسقط منها أي شيء من حوافها. ولتفسير تتابع  الليل والنهار، يعتقد معظم أصحاب الأرض المسطحة أن الشمس تتحرك في دوائر حول القطب الشمالي، إذ يعمل ضوءها كضوء كشاف.

على سبيل المثال، يشير “النموذج الأمريكي” الأحدث إلى أن قطر الشمس والقمر يبلغ 50 كيلومترًا، ويدوران حول الأرض على شكل قرص على ارتفاع 5500 كيلومتر، وتوجد النجوم فوق ذلك على قبة دوارة. ويرفض العديد من أصحاب الأرض المسطحة أيضًا الجاذبية؛ إذ يشير “نموذج المملكة المتحدة” إلى أن القرص نفسه يتسارع بمقدار 9.8 متر لكل ثانية مربعة لإعطاء وهم الجاذبية.

العلم وتكور الأرض

إثبات العلم بأن الأرض كروية قديم حتى قبل العلوم المعاصرة. فلقد لاحظ أرسطو عام 330 قبل الميلاد بأن نجوم السماء تختلف باختلاف الموقع جنوبا. هذا يعني أن النجوم الجديدة محجوبة عن الرؤيا في أوروبا ويمكن ملاحظتها من أسوان مثلًا. قاد ذلك أرسطو إلى الاعتقاد بأن الأرض كروية.

لم يكتفِ أرسطو بهذا الاستنتاج وإنما قام بمساعدة (Eratosthenesإ) راتوستينس باستخدام هندسة يدرسها طلاب المدارس في مراحل التعليم المتوسطة بحساب نصف قطر الأرض بدقة مقبولة.

طريقة أرسطو – إراتوستينس

وتعد هذه هي الطريقة الأقدم ويمكن شرحها ببساطة كما يلي:

تتحرك الأرض حول محورها؛ مما ينتج عنه الليل والنهار. وكذلك يتأرجح محور الأرض حول الخط العمودي على نصف قطرها؛ ما ينتج عنه فصول السنة الأربع. ونتيجة لحركة محور الأرض تتعامد الشمس على سطح الأرض في منتصف النهار في يومين محددين في السنة نظرًا لموقعك على سطح الكرة الأرضية.

علم أرسطو أن الشمس تتعامد على أسوان في ظهيرة يوم 21 يونيو؛ إذ لا يوجد ظل لأعمدة معبد في جنوب أسوان. وبقياس المسافة بين الإسكندرية وأسوان وهي في حدود 800 كيلومتر، قد كلف عاملا بقياس المسافة بالخطى، وقياس ميل ظل عمود مثبت عموديًا على الأرض في الإسكندرية يمكن استنتاج كروية الأرض ونصف قطرها أيضًا.

الحسابات بسيطة جدًا

استخدم إراتوستينس طريقة حسابية بسيطة جدًا لدرجة أنها تدرس الآن في المدارس المتوسطة. قام إراتوستينس بقياس طول العمود المثبت في الإسكندرية وقياس طول ظل العمود. يمثل هذا الشكل مثلثا قائمًا يمكن بسهولة معرفة قياس زاوية ميل الشمس على العمود (الزاوية المجاورة لقمة العصا). وجد إراتوستينس أن تلك الزاوية هي 7.2 درجة.

• إذا زاوية ميل أشعة الشمس عند الإسكندرية تساوي 7.2 درجة. وقياس زوايا الدائرة 360 درجة إذا المسافة بين إسكندرية وأسوان تمثل 1/50 من محيط الكرة الأرضية.
• بمعرفة المحيط، والذي قدره إراتوستينس أنه يساوي 40 ألف كم تقريبًا، يمكن بسهولة معرفة نصف قطر الأرض.
• باستخدام هذه الحسابات خلص إراتوستينس أن قطر الأرض حوالي 20 ألف كم.

قدرت الطرق الحديثة لقياس محيط الأرض القيم المقاسة بأكبر ب 66كم فقط من تلك القيم التي حصل عليها إراتوستينس. ويعزي هذا الخطأ إلى أن إراتوستينس اعتبر أ الأرض مسطحة تمامًا، ولكن في الحقيقة أن المسافة هي جزء من محيط كرة كبيرة. وتبع إراتوستينس الكثير من العلماء في العصر الإسلامي مثل البيروني الذي استخدم جبلًا لقياس نصف قطر الأرض بعلم المثلثات أيضًا لقياس نصف قطر الأرض.

 

أدلة كروية الأرض

يمكن دحض العديد من الحجج التي يستخدمها مؤيدو الأرض المسطحة بسهولة باستخدام علم المثلثات أو القوانين الفيزيائية الأساسية.

علي سبيل المثال، يمكن لبندول فوكو، Foucault pendulum وهو الجهاز الذي سمي على اسم الفيزيائي الفرنسي ليون فوكو، إثبات دوران الأرض حول محورها. ويتكون بندول فوكو من قطعة نحاسية ثقيلة تزن 28 كجم معلق في سلسلة طولها 67 مترًا في Panthéon بباريس.

ويلاحظ أن البندول يغير اتجاهه على مدار اليوم؛ ما يعطي دليلًا مباشرًا على دوران الأرض. على الرغم من أن ذلك لم يمنع بعض أنصار الأرض المسطحة من الادعاء بأن جميع بندولات فوكو مزيفة، وأن المتاحف تستخدم ملفات مغناطيسية لتحويل مستوى دوران البندول لجعل الأرض تبدو وكأنها تدور.

 

ويقدم أصحاب نظرية الأرض المسطحة دليلًا لإثبات تسطح الكرة الأرضية من وجهة نظرهم. وتمثل هذه الصورة ناطحات سحاب شيكاغو، مأخوذة من بحيرة ميشيغان، إذ يمكن رؤية ناطحات السحاب في المدينة بوضوح على الرغم من رؤيتها من مسافة 100 كيلومتر.

 

. ويقول Lee McIntyre, أستاذ الفلسفة في جامعة بوسطن والخبير في حالات انكار العلم: “نظرًا لانحناء الأرض، لا ينبغي (من حيث المبدأ) أن تكون قادرًا على رؤية أفق المدينة من تلك المسافة البعيدة.

ويردف قائلًا: “السبب وراء ظهور المباني يكمن في حقيقة أن الهواء الموجود فوق سطح الماء مباشرة أبرد من الهواء الموجود أعلى سطح الماء. ويعني هذا التدرج العكسي لدرجة الحرارة أن أشعة الضوء تنكسر نحو الهواء الأكثر برودة وكثافة. يسمح هذا لصورة الأفق المنعكس، المتكون على الماء أسفل الأفق، بالظهور تقريبًا فوق الأفق. ويمكن التحقق من هذه الفكرة بسهولة عن طريق التقاط صورة لمسافة أبعد، حيث سيختفي “السراب”.

الجاذبية عند تكون الكوكب

في البداية كان الكون يتكون من ذرات الهيدروجين والتي اندمجت لتكون النجوم. هذه النجوم دمجت الهيدروجين ومن ثم الهيليوم الى أن وصلت للحديد. ومن ثم أخذت طريقها الى الانفجار النجمي الذي بعثر المادة في إرجاء الكون والمجرات لتتجمع بقايا النجوم مكونه الكواكب التي نعرفها. وتعمل الجاذبية عبر ملايين السنين على سحق المادة وجمعها معًا في شكل كوكب.

هذه الجاذبية تعمل في كل الاتجاهات؛ ما ينتج عنه كوكب كروي ونجوم كروية الشكل. أي أن الأرض لا تختلف عن المريخ الذي نراه في التلسكوبات كرويًا. ولا تختلف عن النجوم التي نراها أيضًا كروية. أي أن المشاهدة تتفق مع العلم في كروية الأرض.

 

وتوافق Asheley Landrum, عالمة النفس من جامعة تكساس التقنية والتي كانت حاضرة أيضًا في أحد اجتماعات الأرض المسطحة الذي أقيم في دنفر بولاية  كولورادو. على أن أصحاب هذه الأفكار مقتنعون جدًا بها، ولا يعبثون. وتقول: “إذا كانوا لا يؤمنون حقًا بهذه الأفكار، فهم ممثلون جيدون جدًا” وتردف Landrum قائلة: “لقد تحدثنا إلى أكثر من 90 عضوًا من مجتمع الأرض المسطحة. وجميعهم صادقون جدًا في معتقداتهم. وتضمنت المحاضرات التي ألقيت في حدث دنفر شعارات مثل: “التحدث مع عائلتك وأصدقائك عن الأرض المسطحة”. وأخري مثل  “ناسا والأكاذيب الفضائية الأخرى” و”أكثر من 14 طريقة يقول بها الكتاب المقدس أن الأرض مسطحة”.

وتضيف Landrum قائلة: “تعتمد أفكار الأرض المسطحة على سوء فهم علمي أساسي يمكن دحضه بسهولة. بالنسبة لمعظم الناس، حتى أولئك الذين ليس لديهم خلفية عن علم الفيزياء. فإن الدليل على كروية الأرض واضح. لذا، علينا أن نسأل أنفسنا لماذا لا تزال هذه الأفكار قائمة في القرن الحادي والعشرين. وربما الأهم من ذلك بالنسبة لمجتمع الفيزياء: كيف يجب أن نتعامل مع تلك الأفكار بالضبط؟”.