يزداد احتياج العالم إلى الطاقة عامًا بعد عام؛ حيث تظهر للنور باستمرار تكنولوجيات جديدة تحتاج إلى مقدار هائل من الطاقة. ومع تفاقم مشكلات المناخ والوقود الأحفوري يحاول العلماء والمهندسون حول العالم اللجوء إلى الطاقة النظيفة والمتجددة. وتمثل المفاعلات النووية أحد مصادر تلك الطاقات النظيفة والواعدة.
مصدر الطاقة النووية
من المعروف أنه إذا تفاعلت بعض المواد مع بعضها البعض، تفاعلًا كيميائيًا، يمكن أن يتولد من هذا التفاعل طاقة حرارية كما هو الحال عند حرق الوقود الأحفوري في وفرة من الأكسحين. تمثل تلك الطاقة المنطلقة من التفاعلات الكيميائية طاقة أساسية في تحريك السيارات مثلًا أو التدفئة أو يمكن تحويل تلك الطاقة إلى طاقة كهربية في محطات الطاقة.
وتكفي تلك الطاقات للاستخدام اليومي للبشر. وتكون تلك التفاعلات ناشئة من تبادل وحركة الإلكترونات حول نويات العناصر الداخلة في التفاعل دون المساس بالأنوية ذاتها. بينما تنشأ الطاقة النووية من النواة نفسها عبر تحويل جزء من المادة إلى طاقة. حيث أنه من الثابت علميًا اليوم أنه يمكن تحويل المادة إلى طاقة، والطاقة إلى مادة.
طاقة هائلة في حيز صغير
ويعد “إنشتاين” ،عالم الفيزياء المشهور، أول من صاغ المعادلة الأشهر على الإطلاق في عالم الفيزياء، (E = M C2)، التي تصف تلك الظاهرة.
ويمكن شرح المعادلة ببساطة بأن الطاقة المنطلقة (E)، من تحول كيلوجرام واحد من المادة (M)، تساوى مربع مقدار سرعة الضوء (C). أو بصورة أوضح فإن لتوليد كمية الطاقة نفسها الناتجة عن تحول 1 كجم من المادة إلى طاقة، نحتاج إلى نحو 14.8 مليون بِرمِيل من النفط.
لذلك تمثل الطاقة النووية حلًا جذابًا لحلول الطاقة الكثيفة غير أنها تمتلك العديد من العيوب أيضا، مثل: النفايات النووية وصعوبة التخلص منها. ومعامل الأمان؛ حيث تتطلب تأمينًا بأكثر من نظام آمان لمنع الحوادث النووية، كالتي حدثت في “تشرنوبل” على سبيل المثال. كما تمثل التكنولوجيا والتكاليف عائقًا آخر لامتلاك كل الدول لمحطات نووية لإنتاج الطاقة.
أنواع التفاعلات داخل المفاعلات النووية
يمكن القول بأن هناك نوعين رئيسين لإنتاج الطاقة من التفاعلات النووية: التفاعلات النووية الانشطارية، والتفاعلات النووية الاندماجية.
تمثل التفاعلات الانشطارية تحول العناصر الثقيلة إلى عناصر أخف بتفاعل نووي وإطلاق كم هائل من الطاقة. ويستخدم هذا التفاعل بالأساس في المفاعلات العاملة حول العالم حاليًا، وفي القنابل النووية.
بينما التفاعل الاندماجي يكون بدمج نواتين خفيفتين كالهيدروجين مثلًا أو أحد نظائره لإنتاج طاقة ناتجة من تحول فرق الكتل بين المتفاعلات والنواتج إلى طاقة.
وتعد الطاقة النووية الاندماجية الطاقة المحركة للكون، التي تتسبب في سطوح نجومه. وتحدث التفاعلات النووية الاندماجية في قلب شمسنا لتمد الأرض والمجموعة الشمسية قاطبة بالطاقة.
ومن الجدير بالذكر أن الطاقة الاندماجية قد استخدمت أيضًا في صنع قنابل نووية اندماجية أشد فتكًا من الانشطارية؛ حيث تحتاج القنابل الاندماجية إلى طاقة هائلة لبدء التفاعل النووي الاندماجي. وللحصول على تلك الطاقة تستخدم قنبلة نووية انشطارية كفتيل إشغال للقنبلة الاندماجية مخلفة دمارًا هائلًا وواسعًا في مكان الانفجار.
المفاعلات النووية التجارية
في الآونة الأخيرة، سعت الكثير من الشركات العملاقة كـ”أبل” و”جوجل” إلى امتلاك مفاعلات نووية صغيرة. وتهدف تلك المفاعلات إلى أن توفي احتياج الشركات، وتزيل اعتمادها على الشبكات المحلية.
وتمثل تلك الحلول حلول مبتكرة للطاقة النظيفة حول العالم. حيث أنه من المعروف أن تلك المفاعلات الصغيرة مستخدمة بالفعل لتزويد الغواصات الحربية بالطاقة بنجاح منذ عقود.
ولا يقتصر الأمر على استخدام المفاعلات النووية الانشطارية تجاريًا، ولكن المفاعلات النووية الاندماجية في طريقها إلى الاستخدام التجاري أيضا. حيث أعلنت شركة Commonwealth Fusion Systems (CFS)، وهي شركة ناشئة منبثقة من معهد “MIT” للتقنية، نيتها لإنشاء مفاعل نووي اندماجي تجاري وإلحاقه بالشبكة العامة للكهرباء.
وأضافت الشركة الواقعة في Chesterfield County بولاية فيرجينيا، أن هذا المفاعل سيكون الأول من نوعه حول العالم. ومن المخطط أن يمد المفاعل الاندماجي الجديد 150 ألف منزل بالطاقة، وأن يري النور في عام 2030.