قد يري الناس التخاطر دربًا من السحر أو الخيال؛ حيث يحكم الناس عادة على العالم المادي من حولنا بواسطة الحواس الخمس الأساسية. بينما توجد حواس أخري؛ مثل الإحساس بالحرارة والضغط على الجلد، يمكن أن تضيف أحاسيس جديدة وإدراك للواقع.
غير أن هناك واقعًا فيزيائيًا في عالم الكم لا يخضع حتي للمنطق المادي المعتاد في الحياة اليومية؛ مثل التخاطر واجتماع النقيضين.
عالم الكم المبهر
ونشأت كلمة الكم في بدايات القرن العشرين عند تفسير ظواهر فيزيائية متعلقة بتوليد الكهرباء من معادن معينة عند تعريضها للضوء. عرفت تلك الخاصية فيما بعد بالتأثير الكهروضوئي وهي أساس عمل الخلايا الشمسية؛ حيث فسر “أنشتاين” بأن الضوء يتكون من كمات محدودة الطاقة، أطلق عليها فوتونات؛ حيث يتناسب الطاقة الكُلْيَة للضوء مع تردده.
وجدير بالذكر أن “أنشتاين” قد حصل على جائزة نوبل عام 1921 لتفسيره التأثير الكهروضوئي، وليس على نظرية النسبية ذائعة الصيت.
وظهر المفهوم كذلك عند دراسة الإشعاع الحراري الناتج من الجسم الأسود، وهو جسم افتراضي شديد السواد يمتص كل الأشعة الساقطة عليه.
وتتابعت الاكتشافات والنظريات لإثراء العلم الجديد؛ حيث أصبح علم الكم أو ال quantum Physics علم قائم بذاته.
ونجحت نظرياته في تفسير الكثير من الظواهر و المشاهدات التي لا يمكن للفيزياء الكلاسيكية تفسيرها. وأصبح ذلك العلم يختص بدراسة الجسيمات متناهية الصغر؛ مثل الإلكترونات والفوتونات، والذرات والموجات.
الأجسام يصاحبه موجات
من أهم اكتشافات ومفاهيم ميكانيكا الكم بأن الجسيمات في تلك الأبعاد متناهية الصغر تتصرف كما لو كانت موجات. ولفهم ذلك يمكننا أن نستدل بتجربة الشق المزدوج الشهيرة.
في تلك التجربة قام العلماء بإطلاق إلكترونات على حاجز يمكنه إيقافها وقاموا بصناعة شقين طوليين في الحاجز ووضعوا خلفه لوح فوتوجرافي يمكنه التاثر بالإلكترونات كمستشعر لها. وبما أن الإلكترونات هي جسيمات ذرية فإنه من المتوقع أن تمر فى خط مستقيم من الشقين لتصطدم مباشرة باللوح الفوتوجرافي الحساس.
هذا لم يحدث؛ حيث التقط العلماء تأثيرًا يشبه التداخل الموجي المعتاد في الضوء وغيره. يمكن رؤية ذلك إذا ألقيت حجرًا في بركه راكدة فإنه سينتج عن ذلك موجة مكونة من قمم وقيعان على سطح البركة.
ويمكنك الآن إلقاء حجرين متجاورين ستتداخل الموجتان الناشئتان لتعطي نمط تداخل يتكون من مناطق تتحرك فيها الماء ومناطق ساكنة بمعني أنه ستختفى الموجة وتظهر تباعا.
وكان هذا صادمًا للعلماء إن تتصرف الجسيمات كموجات. لكنه لم يمكن الشيء الغريب الذي حدث.
انهيار الدالة الموجية
أطلق العلماء على الموجة التي تصاحب تلك الجسيمات اسم “الدالة الموجية”. لقد وجد العلماء أنهم عند مراقبة التجربة، بكاميرا مثلًا، تصرفت الإلكترونات كما لو كانت كرات مصمتة مرة أخري ومرت من الشقين بطريقة طبيعية كما لو كانت رصاصات أطلقت في خط مستقيم؛ أي إن الإلكترونات علمت أنها مراقبة.
ومن تلك التجربة عرفت الطبيعة المزدوجة للجسيمات الكَمّيَّة التي تتصرف أحيانًا كما لو كانت مادة وأحيانا أخري كما لو كانت موجات تتداخل فيما بينها.
اجتماع النقيضين
من أاهم التجارِب في الفيزياء الكَمّيَّة هي إمكانية اجتماع النقيضين؛ حيث إنها تتعامل مع الاحتمالات الدالة الموجية. ولنفهم ذلك قام عالم الفيزياء الشهير؛ أدوين شرودنجر بافتراض وضع قطة في صندوق و بجوارها قارورة غاز سام.
وفي كل لحظة عند قفل الصندوق يمكن اعتبار القطة حية وميتة في نفس الوقت. ولا يمكن التأكد من حال القطة إلا عند فتح الصندوق. وبالطبع هذه الحالة تصورية إلا أنها حقيقية؛ حيث يسمي هذا المبدأ “بمبدأ التراكب”. بنفس الطريقة يمكن للإلكترونات أن تدور في الاتجاة مع عقارب الساعة و عكس اتجاه عقارب الساعة في الوقت نفسه؛ ما يمكن من استخدام الإلكترونات في الحواسيب الكَمّيَّة الجديدة. حيث يمكنها أن تجمع كل الحالات المنطقية، صفر وواحد، في ذات اللحظة .
التشابك الكمي والتخاطر
هي ظاهرة في عالم الكم يمكن فيها تبادل التفاعل الحظي بين جسمين لهما نفس المنشأ بغض النظر عن المسافة بينهما. ولا يعلم العلماء كيف الأسس العلمية لتلك الظاهرة حتي الآن.
ويمكن شرحها ببساطة بأنه إذا خرج إلكترونان مثلًا من نفس المصدر في نفس اللحظة فإن أحدهم سيدور مع عقارب الساعة والآخر عكسها في كل مرة.
وإذا تم نقل أحدهما إلى أبعد مسافة ممكنة، ولتلكن حدود الكون المنظور مثلًا؛ فإذا تم تغيير الدوران أو التأثير على أحدهما فإن الآخر سيعكس اتجاهًا لحظيًا ومباشرة دون اتصال مادي بينهما. وفي هذه الظاهرة كان يظهر الإلكترونان كما لو كان بينهما تخاطر لحظي.
ويمكن استخدام تلك الظاهرة في الاتصالات غير قابلة للاختراق؛ حيث يمكن الاحتفاظ بأحد الإلكترونين في طرف الاتصال بينما يحتفظ بالآخر في الطرف الآخر. وتمتاز تلك الطريقة بأنها غير قابلة للكشف او الاعتراض. حيث لا يوجد وسط مادي أو موجي للتواصل. كما هو الحال في إشارات الميكروويف اللازمة للتواصل بالهواتف على سبيل المثال.
عالم الكمبيوترات الكَمّيَّة والتخاطر اللحظي
فى إنجاز كبير تمكن علماء من جامعة أكسفورد بإنشاء اتصال كمي بين كومبيوتريين كميين عن طريق التشابك الكمي. ويفتح هذا الإنجاز الباب على مصرعية على حوسبة كَمّيَّة مهولة قد تغير شكل البشرية. كما أنها كذلك تفتح الباب أمام اتصالات لحظية كَمّيَّة غير قابلة للاختراق وما وراء ذلك من تطبيقات مدنية وعسكرية في المستقبل.