كشفت نتائج تحليل عينات من دماغ البشر عن وجود كميات متزايدة من جزيئات البلاستيك الدقيقة مقارنة بعينات سابقة. والتي تم جمعها قبل ثماني سنوات. هذه النتائج، التي تم نشرها مؤقتًا عبر الإنترنت في مايو الماضي، لم تخضع بعد للمراجعة العلمية من قبل الأقران. ذلك خلال عمليات تشريح أجريت في بداية عام 2024. وفقا لتقرير سي ان ان
وأوضح الدكتور ماثيو كامبن، الأستاذ في قسم العلوم الصيدلانية بجامعة نيو مكسيكو، أن التحاليل كشفت عن وجود تركيزات عالية بشكل مدهش من جزيئات البلاستيك الدقيقة في عينات الدماغ التي تم فحصها. وأشار كامبن إلى أن متوسط تركيز هذه الجزيئات في أنسجة الدماغ للأفراد الذين تراوحت أعمارهم بين 45 و 50 عامًا بلغ 4.800 ميكروغرام لكل غرام من الأنسجة، أي ما يعادل 0.5% من وزن الأنسجة.
تفاصيل الدراسة
وأضاف أن النسبة المئوية لجزيئات البلاستيك الدقيقة في أنسجة الدماغ قد زادت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. مقارنة بعينات الدماغ التي تم جمعها في عام 2016، فإن العينات الحديثة تحتوي على نسبة أعلى بنسبة 50% من هذه الجزيئات. وبعبارة أخرى، تشكل جزيئات البلاستيك حوالي 0.5% من وزن أنسجة الدماغ.
وأكدت الدكتورة فيبي ستابلتون، الأستاذة المساعدة في علم الأدوية والسموم بجامعة روتجرز، أن هناك العديد من الأسئلة التي لا تزال دون إجابة حول وجود هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الدماغ. فمن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت هذه الجسيمات تنتقل بحرية داخل الدماغ أم أنها تتراكم في أنسجته. كما أن التأثيرات الصحية طويلة الأجل لهذه الجسيمات على الخلايا العصبية لا تزال غير مفهومة بشكل كامل.
كشفت النتائج الأولية للدراسة أن تركيز شظايا البلاستيك الدقيقة في عينات الدماغ كان أعلى بشكل ملحوظ مقارنة بعينات الأنسجة الأخرى. مثل الكلى والكبد. وتحديدًا، وجد الباحثون أن تركيز هذه الشظايا في الدماغ كان أعلى بـ 7 إلى 30 مرة.
أكد الدكتور فيليب لاندريجان، وهو خبير في مجال الصحة العامة العالمية، أن الدراسات العلمية كشفت عن انتشار واسع لجزيئات البلاستيك الدقيقة في أجسامنا. فقد تم العثور على هذه الجزيئات في أعضاء حيوية مثل القلب والأوعية الدموية الرئيسية والرئتين والكبد والخصيتين والجهاز الهضمي. وحتى في المشيمة التي تربط الأم بالجنين.
كما الدراسات أثبتت أن تلوث البلاستيك ليس مقتصرًا على البيئة المحيطة بنا. بل وصل إلى أعماق أجسامنا. حيث تم العثور على جزيئات بلاستيكية دقيقة في العديد من الأعضاء الحيوية، بما في ذلك القلب والرئتين والكبد.
تحذيرات الأطباء
شدد الدكتور لاندريجان على أهمية عدم المبالغة في تخويف الناس. وأشار إلى أن العلم المتعلق بتأثيرات البلاستيك الدقيقة على دماغ البشر لا يزال في بداياته.
وأوضح أن التخلص التام من البلاستيك في حياتنا اليومية أمر شبه مستحيل في الوقت الحالي. حيث يدخل البلاستيك في صناعة العديد من المنتجات الأساسية التي نستخدمها يوميًا. مثل الهواتف المحمولة والحواسيب. ومع ذلك، دعا الدكتور لاندريجان إلى تقليل استخدامنا لأنواع البلاستيك التي يمكن الاستغناء عنها، مثل الأكياس البلاستيكية والزجاجات البلاستيكية.
ولفتت كيمبرلي وايز وايت، وهي نائب رئيس الشؤون التنظيمية والعلمية بالمجلس، إلى أن “البحث الجاري لا يساعد فقط في معالجة فجوات البيانات الحالية في فهمنا للتعرّض للبلاستيك الدقيق؛ بل يهدف أيضًا إلى تطوير أدوات محسّنة لقياس سمية البلاستيك الدقيق على البشر.
دراسات سابقة
وأكدت وايت أهمية هذه الدراسة نظرًا لاستخدام طرق غير دقيقة في الأبحاث السابقة؛ ما قد يؤدي إلى نتائج غير موثوقة أو مضللة. كما أشارت إلى تعقيدات دراسة البلاستيك على دماغ البشر الدقيق وتأثير العديد من العوامل على صحة الإنسان.
وفي هذه الدراسة، قام الباحثون بدراسة أنسجة الدماغ والكلى والكبد لـ92 فردًا خضعوا للتشريح لمعرفة سبب الوفاة خلال عامي 2016 و 2024.
وتم أخذ عينات من القشرة الجبهية للدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن التفكير والاستدلال، والتي تتأثر بشكل كبير بمرض الزهايمر والخرف الجبهي الصدغي.
وأوضح كامبن أن الدماغ يمتص الجسيمات النانوية الصغيرة جدًا. بحجم 100 إلى 200 نانومتر، بينما تصل الجسيمات الأكبر قليلًا، بحجم ميكرومتر واحد إلى خمسة ميكرومترات، إلى الكبد والكلى. وتتراوح أحجام الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بين 5 ملليمترات ونانومتر واحد، وهي أصغر بكثير من شعرة الإنسان. ويعتبر العلماء أن الجسيمات النانوية هي الأكثر خطورة على الصحة، حيث يمكنها اختراق الخلايا الفردية.
وأشار كامبن إلى قدرة هذه الجسيمات النانوية على اختراق الجسم والوصول إلى الدماغ، حتى أنها تتجاوز الحاجز الدموي الدماغي الذي يحمي الدماغ.
كما أكد لاندريجان، وهو مؤلف تقرير عن تأثير البلاستيك على الصحة، أن الغذاء هو السبب الرئيسي لدخول هذه الجسيمات إلى أجسامنا.