اهتم الإنسان بالفضاء الخارجي للكرة الأرضية منذ القدم بحثًا عن أسرار هذا الكون العجيب وفي القلب منها بداية ونهاية العالم، كما رسمت الحضارات القديمة زراع المجرة على جدران معابدها.
بينما قسم الإنسان القديم السنة تبعًا للنجوم. علم منها مواسم الحصاد والفيضان وغيرها، حتى أدلى عصر الفضاء الجديد بدلوه في المعارف البشرية عن الكون وأثراها بطريقة لم نعهدها من قبل.
تصادم درب التبانة.. هل يشكل نهاية العالم؟
في بدايات القرن العشرين، أدرك علماء الفلك أن مجرة “أندروميدا” – التي ظنوا آنذاك أنها مجرد “سديم” – تتجه نحونا. وبعد قرن من الزمان، تمكن علماء الفلك، باستخدام تلسكوب “هابل” الفضائي التابع لناسا، من قياس الحركة الجانبية لمجرة “أندروميدا”. حيث اكتشفوا أنها ضئيلة للغاية لدرجة أن اصطدامها المباشر بمجرة درب التبانة، تبعًا لنتائج المحاكاة، بدا حتمي الحدوث.
ومن خلال المحاكاة الحاسوبية، استنتج العلماء بأن التصادم بين المجرتين سيؤدي حتمًا إلى ولادة نجوم جديدة بصورة عاصفة. وكذلك تفجر مستعرات عظمى Supernovae. بل ربما دفع شمسنا إلى مدار مختلف.
لكن دراسة جديدة، استنادًا إلى بيانات وملاحظات من تلسكوبي Hubble وGaia الفضائيين التابعين لوكالة الفضاء الأوروبية، تُشير إلى أن الأمر “لن يتم بهذه السرعة”.
فقد أعاد باحثون النظر في التنبؤ المُتوقّع منذ زمن طويل باصطدام مجرتي درب التبانة وأندروميدا، ووجدوا أنه أقل حتمية بكثير مما توقعه علماء الفلك سابقًا.
نتائج جديدة للتصادم
وقال Till Sawala؛ عالم الفلك بجامعة هلسنكي في فنلندا والمؤلف الرئيس للدراسة: “لدينا اليوم الدراسة الأكثر شمولًا لهذه المشكلة والتي تتضمن في الواقع كل حالات عدم اليقين الرصدية”. حيث نشرت نتائج الدراسة في مجلة Nature Astronomy.
يضم الفريق القائم بالدراسة علماء من جامعة Durham بالمملكة المتحدة، وجامعة Toulouse بفرنسا، وجامعة غرب أستراليا.
واستنتجت الدراسة، احتمال اصطدام المجرتين خلال العشرة مليارات سنة القادمة يبلغ 50% تقريبًا. وقد استندوا في هذا الاستنتاج إلى محاكاة حاسوبية باستخدام أحدث بيانات الرصد.
وأثبتت الدراسة الحديثة، أن التنبؤ بمآلات الأحداث في المستقبل وتفاعلات المجرات يعتبر أمرًا غير مؤكد إلى حد كبير. حيث تتحدى النتائج الجديدة الإجماع السابق وتشير إلى أن مصير مجرة درب التبانة لا يزال غير محدد سلفًا.
المجموعة الشمسية ونهاية العالم
“يبقى مستقبل المجموعة المحلية المكونة من عشرات المجرات غير مؤكد حتى باستخدام أحدث وأدق بيانات الرصد المتاحة. ومن المثير للاهتمام أننا نجد احتمالًا متقاربًا لسيناريو الاندماج المعلن عنه على نطاق واسع، أو على العكس، سيناريو بديل ينجو فيه: درب التبانة و”أندروميدا”، دون أن يُصابا بأذى”. حسب تصريحات Sawala.
لقد بدا اصطدام المجرتين أكثر احتمالًا عام 2012، عندما نشر عالما الفلك Roeland van der Marel و Tony Sohn، من معهد علوم تلسكوب الفضاء في “بالتيمور” بولاية “ماريلاند” تحليلًا مفصلًا لملاحظات “هابل” على مدى فترة تتراوح بين خمسة إلى سبعة أعوام، مما يشير إلى اصطدام مباشر في زمن لا يتجاوز خمسة مليارات سنة.
من المثير للعجب أنه رغم إضافة بيانات Hubble الأكثر دقة التي جمعت السنوات الأخيرة، أصبحنا الآن أقل يقينًا بشأن نتيجة الاصطدام المحتمل. حيث ستكون الطريقة الوحيدة للوصول إلى تنبؤ جديد بشأن المصير النهائي لمجرة درب التبانة من خلال بيانات أفضل، كما يصرح Sawala.
100 ألف محاكاة لحوادث وهمية
قام علماء الفلك بدراسة 22 متغيرًا مختلفًا، يمكن أن تؤثر في الاصطدام المحتمل بين مجرتنا وجارتنا. وأجروا 100 ألف محاكاة تسمى بطريقة “مونت كارلو”. حيث يمكن أن تمتد المحاكاة إلى 10 مليارات سنة مستقبلًا.
وصرح Sawala، قائلًا: “نظرًا لوجود العديد من المتغيرات التي لكل منها أخطائها، فإن ذلك يعاظم إلى حد كبير حالة عدم اليقين بشأن النتيجة. مما يؤدي إلى استنتاج مفاده أن فرصة الاصطدام المباشر تبلغ 50% فقط خلال العشرة مليارات سنة القادمة”.
وتابع: “ستبقى مجرتا درب التبانة و”أندروميدا” وحدهما في نفس المستوى أثناء دورانهما حول بعضهما البعض، ولكن هذا لا يعني أنهما بحاجة إلى الاصطدام. ولا يزال من الممكن أن تمرا بجانب بعضهما البعض”.
كما نظر الباحثون أيضًا إلى تأثير مدارات مجرة M33، وهي مجرة كبيرة تابعة لمجرة “أندروميدا”، ومجرة تابعة لمجرة “درب التبانة” يطلق عليها سحابة ماجلان الكبرى (LMC).
تأثير المجرات في نهاية العالم
يقول “ساوالا”: “إن الكتلة الإضافية لمجرة M33 التابعة لمجرة “أندروميدا” تجذب مجرة درب التبانة نحوها أكثر. ومع ذلك، نظهر أيضًا أن سحابة “ماجلان” الكبرى تسحب درب التبانة بعيدًا عن المستوى المداري و”أندروميدا”. هذا لا يعني أن سحابة “ماجلان” الكبرى ستنقذنا من هذا الاندماج، ولكنها ستقلل من احتمالية حدوثه”.
في حوالي نصف عمليات المحاكاة، تمر المجرتان الرئيستان بجانب بعضهما البعض. وقد فصل بينهما حوالي نصف مليون سنة ضوئية أو أقل (أي خمسة أضعاف قطر درب التبانة). وتتحركان نحو الخارج، ثم تعودان وتندمجان في النهاية خلال المستقبل البعيد. يحدث الانكماش التدريجي للمدار نتيجة عملية تُسمى الاحتكاك الديناميكي بين هالات المادة المظلمة الشاسعة التي تحيط بكل مجرة في البداية.
معظم الحالات الأخرى، لا تقترب المجرتان بما يكفي ليعمل الاحتكاك الديناميكي بفاعلية. في هذه الحالة، يمكن للمجرتين مواصلة دورانهما المداري مدة طويلة جدًا.
لا تزال النتيجة الجديدة تترك احتمالًا ضئيلًا، يبلغ حوالي 2%، لحدوث تصادم مباشر بين المجرتين خلال 4 إلى 5 مليارات سنة فقط. وبالنظر إلى أن ارتفاع درجة حرارة الشمس يجعل الأرض غير صالحة للسكن خلال حوالي مليار سنة. ومن المرجح أن الشمس نفسها ستحترق على الأرجح خلال 5 مليارات سنة. ولذا؛ فإن الاصطدام بمجرة “أندروميدا” هو أقل ما يقلقنا بشأن الكون.