حقق مسبار باركر إنجازًا تاريخيًا للبشرية بالاقتراب لأقرب مسافة من الشمس التي تعد السبب الرئيسي للحياة والطاقة على كوكبنا. فهي مصدر الطاقة الحرارية التي تبعث الدفء بين جنبات الأرض.
كما يعتمد عليها النبات والطحالب البحرية في عملية البناء الضوئي؛ ما ينتج الغذاء والأكسحين على للكائنات على سطح البسيطة. واحتلت الشمس منزلة عالية في الثقافة البشرية على مر العصور حيث نظم البشر حياتهم تبعا لحركة الشمس. ومنذ عصر اكتشاف الفضاء قامت العديد من وكالات الفضاء بدراسة الشمس في محاولة لمعرفة الكثير من المعلومات عن نجمنا العزيز.
مسبار باركر يستكشف الشمس
استخدم العلماء التلسكوبات التي تمتلك فلاتر خاصة أو طرق اسقاط الظل في دراسة الشمس ونشاطها. كما استحوذت ظواهر كالكسوف الشمسي سواءً الحلقي أو الكلي على انتباه العلماء والبشر على حد سواء منذ قديم الأزل. ومكنت أدوات الرصد الحديثة من متابعة الكلف والرياح الشمسية ومتابعة نشاطها عن كثب وبأكثر من منطقة من مناطق الطيف الكهرومغناطيسي.
وتمتلك ناسا والوكالات الدولية العديد من المركبات التي تراقب الشمس على مدار الساعة. وتشمل تلك المركبات ACE, IRIS, WIND, Hinode, the Solar Dynamics Observatory, and STEREO Solar Orbiter, SOHO.
وقدمت تلك القياسات الكثير من المعرفة عن الشمس. حيث أصبح من المعروف بان دورها لا يقتصر على الإمداد بالضوء والحرارة ولكنها أيضًا مركز الثقل في المجموعة الشمسية. كما تؤثر في المجال المغناطيسي للأرض من خلال الرياح الشمسية. غير أن تطمح الي زيارة النجم نفسه وقياس المجالات المغناطيسية والخواص الفيزيائية لمحيطه مما قد يتيح معرفة جديدة لتفسير ظواهر لا يمكن تفسيرها بالرصد من الأرض.
مفاعل نووي اندماجي
وتعد الشمس مفاعل نووي اندماجي هائل الحجم حيث يقدر قطرها بحوالي 1.39 مليون كيلومتر. وهي تعد كرة هائلة الكتلة من البلازما، وهى الحالة المتأينة من المادة، حيث تمتلك كتلة مقدارها حوالى 333000 ضعف كتلة الأرض. وتواجدت الشمس في قلب المجموعة الشمسية منذ نحو 4.6 مليار عام.
وتتكون من الهيدروجين، بنسبة 75%، بينما يمثل الهيليوم ثاني المواد وفرة في الشمس، نحو 24%. كما تتواجد كميات ضئيلة من العناصر الأخرى مثل الأوكسجين والكربون.
وتتكون الشمس من عدة طبقات رئيسية وهي: النواة، حيث تحدث تفاعلات الاندماج النووي، والمنطقة الإشعاعية، حيث تنتقل الطاقة من النواة إلى الخارج. وهناك أيضا منطقة أخري تسمي المنطقة الحملية حيث تنتقل الطاقة عن طريق الحمل الحراري. وتنتهي تلك المناطق بالغلاف الجوي الشمسي الذي بدوره يتكون من الكورونا (الطبقة الخارجية) والكروموسفير.
إنجاز تاريخي
تحاول في هذه الأثناء مركبة فضائية تابعة لوكالة ناسا، مسبار باركر، تحقيق إنجاز هو الأول من نوعه عبر الوصول إلى أقرب نقطة على الإطلاق من الشمس. ويتابع المسبار الدوران حوال الشمس في ظروف قاسية جدًا من الحرارة والإشعاع.
وأفادت ناسا ان الاتصال بالمسبار انقطع منذ عدة أيام، وينتظر العلماء حاليًا إشارة صادرة من المسبار لتأكيد نجاته من محاولة الاقتراب الأخيرة. وتتوقع ناسا أن تصل الإشارة فى الساعة 05:00 بتوقيت جرينتش يوم 28 ديسمبر الجاري.
وفى هذا الصدد تقول Nicola Fox، رئيسة قسم العلوم في وكالة ناسا: “لقد درس الناس الشمس لقرون عدّة، ولكنك لا تستطع معرفة مكان ما إلا عندما تذهب لزيارته بالفعل . ولذلك لا يمكننا حقًا معرفة الغلاف الجوي لنجمنا إلا إذا سافرنا عبره”.
مسبار باركر
وأطلقت ناسا مسبار باركر الشمسي عام 2018 في رحلة لاستكشاف أقرب النجوم الى الأرض. وأكمل المسبار 21 دورة حول الشمس بالفعل. حيث يقترب في كل دورة أكثر ولكن كانت الدورة الأخيرة هي الأقرب على الإطلاق.
يذكر ان المسبار حلق في الدورة الأخيرة، على مسافة 6.2 مليون كيلومتر من سطح الشمس. قد لا يبدو هذا الأمر قريبًا للغاية، لكن Fox صرحت بشأن ذلك قائلة: “نحن على بعد 6.2 مليون كيلومتر من الشمس. يمكن تخيل ذلك بانه في حالة ما إذا وضعت الشمس والأرض على مسافة متر واحد، فإن مسبار باركر الشمسي على بعد أربعة سنتيمترات من الشمس فقط لذا فهو قريب جدًا”.
وفى هذه الرحلة يتعين على المسبار أن يتحمل درجات حرارة تصل إلى 1400 درجة مئوية وإشعاعات قد تؤدي إلى إتلاف الإلكترونيات الموجودة على متنه.
ويمكن عرض محاكاة لمسار المسبار من الرابط التالي على صفحة ناسا
https://eyes.nasa.gov/apps/solar-system/#/sc_parker_solar_probe?embed=true
وعلى الرغم من حمايته بواسطة درع مركَب من الكربون سمكه 11.5 سم إلا أن التكتيك المتبع عند الاقتراب من غلاف الشمس هو دخول المركبة والخروج بسرعة.
في الواقع، تتحرك بسرعة أكبر من أي جسم صنعه الإنسان، حيث تصل سرعتها إلى 430 ألف ميل في الساعة؛ ما يعادل الطيران من لندن إلى نيويورك في أقل من 30 ثانية.